وأصبحت مساكِنُهم قبورًا، ألا إن عادًا مَلكت ما بين عَدَن وعُمان خيلًا ورِكابًا، مَنْ يشتري مني ميراثَ عادِ بدرهمين) - ذكره الحافظ ابن كثير.
قلت: والبناء الضروري لحاجة العبد مما يُكِنُّ من المطر ويظلل من الشمس يؤجر به العبد إن شاء الله، وأما تضييعُ الأموال في تشييد البنيان الذي لا يسكنه العبد ولا حاجة له به فهذا لا يؤجر عليه. وفي ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج ابن ماجة بسند صحيح عن عبد الله بن عمر، قال: [مرّ علينا رسول الله - ﷺ - ونحن نُعالِجُ خُصًّا لنا (١). فقال: ما هذا؟ فقلت: خُصٌّ لنا وَهَى، نحن نُصْلِحُه. فقال رسول الله - ﷺ -: مَا أُرَى الأمْرَ إلا أعْجَلَ مِنْ ذلك] (٢).
الحديث الثاني: أخرج البخاري في صحيحه، وابن ماجة في سننه - واللفظ له - عن ابن عمر قال: [لقد رأيتني مع رسول الله - ﷺ - بنيتُ بيتًا يُكِنُّني من المطر ويكنني من الشمس. ما أعانني عليه خلق الله تعالى] (٣).
الحديث الثالث: أخرج الطبراني بسند صحيح عن خباب، عن النبي - ﷺ - قال: [كل نَفَقة يُنْفقُها العبدُ يُؤْجَرُ فيها إلا البنيانَ] (٤). وفي لفظ: [ما أنفقَ مُؤمِنٌ مِنْ نَفَقَةٍ إلا أُجِرَ فيها، إلا نفقتَه في هذا التراب].
وله شاهد أخرجه ابن ماجة عن حارثة بن مُضَرِّب قال: [أتينا خبابًا نعوده فقال: لَقَدْ طال سُقْمِي. ولولا أني سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "لا تَتَمنَّوا المَوْتَ" لتَمَنَّيْتُه. وقال: "إن العَبْدَ لَيُؤْجَرُ في نَفقَتِهِ كُلِّها، إلا في التراب. أو قال: "في البناء"]. والمقصود: البناء فوق الحاجة.
وشاهد آخر رواه الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله - ﷺ -: [النفقة كلها في سبيل الله إلا البناء فلا خير فيه].

(١) نعالج: أي نُصلح. "خصًا" الخص بيت من قصب. وهي: أي ضعف واسترخى.
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن (٤١٦٠) - كتاب الزهد. باب في البناء والخراب. وانظر صحيح سنن ابن ماجة - حديث رقم - (٣٣٥٦).
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح، وابن ماجة في السنن (٤١٦٢) - واللفظ له -. انظر صحيح سنن ابن ماجة - حديث رقم - (٣٣٥٧)، الباب السابق.
(٤) حديث صحيح. أخرجه الطبراني والترمذي وابن ماجة بألفاظ متقاربة. انظر تخريج المشكاة (٥١٨٢) - (٥١٨٣). وانظر صحيح سنن ابن ماجة (٣٣٥٨)، وصحيح الجامع (٤٤٤٢).


الصفحة التالية
Icon