أطرافهم، مناديهم ينادي في جو السماء، صفّهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء، لهم بالليل دوي كدوي النحل] (١).
وقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾.
قال مجاهد: (يعني عبد الله بن سَلام وسلمان وغيرهما ممن أسلم).
قال ابن كثير: (أي: أو ليس يكفيهم من الشاهد الصادق على ذلك أن العلماء من بني إسرائيل يجدون ذكر هذا القرآن في كتبهم التي يدرسونها؟ ! والمراد العدول منهم، الذين يعترفون بما في أيديهم من صفة محمَّد - ﷺ - ومَبْعَثِهِ وأمَّتِهِ، كما أخبر بذلك مَنْ آمَنَ منهم كعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، عمن أدركه منهم ومن شاكلهم).
قال القرطبي: (وإنما صارت شهادة أهل الكتاب حجة على المشركين، لأنهم كانوا يرجعون في أشياء من أمور الدين إلى أهل الكتاب، لأنهم مظنون بهم علمٌ).
قلت: وقد روى بعض أهل السنن خبر اكتشاف عبد الله بن سلام صدق النبوة في وجه النبي - ﷺ - خلال تأمله فيه، وأن وجهه عليه الصلاة والسلام قد امتلأ صدقًا ونورًا.
فقد أخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم بإسناد على شرط الشيخين عن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال: [أول ما قدم رسول الله - ﷺ - المدينة، انجفَلَ الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلما تأمَّلْتُ وجهَه واسْتَبَنْتُهُ، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، قال: فكان أول ما سمعتُ من كلامه أن قال: أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام] (٢).
ثمَّ أقبل عبد الله بن سلام فأسلم وشهد للنبي - ﷺ - بأنّه رسول الله حقًّا، وأنه جاء بحق، ثمَّ باهت يهود في ذلك وكشف كذبهم ومكرهم أمام النبي - ﷺ -، وذلك بعد أن استقر النبي - ﷺ - في دار أبي أيوب بعد وصوله المدينة.
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أنس قال: [... فقال نبيّ الله - ﷺ -: أيّ بيوت أهلِنا أقربُ؟ فقال أبو أيوب: أنا يا نبيّ الله، هذه داري وهذا بابي، قال: فانطلقْ فَهيِّئ لنا مقيلًا. قال: قوما على بركة الله، فلما جاء نبي الله - ﷺ - جاء عبد الله بن سلام،
(٢) حديث صحيح. أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم على شرط الشيخين. انظر صحيح الترغيب (١/ ٦١٢).