وقوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾.
أي: أفرأيت - يا محمَّد - إن متعناهم في هذه الدنيا سنين - والمراد أهل مكة ومن ثمَّ فالآية عامة في أمثالهم من المستكبرين - ثمَّ نزل بهم العذاب والهلاك الذي وُعدوا به على بغيهم وعنادهم، فأي شيء يُجدي عنهم ما كانوا فيه من الزخارف والبهجة والنعيم، أو فما أغنى عنهم الزمان الذي كانوا يمتعونه.
وفي الأثر عن الزهري (١): إن عمر بن عبد العزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ثمَّ قرأ: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ ثمَّ يبكي ويقول:

نهارُك يا مغرورُ سهوٌ وغفلةٌ وليلُكَ نومٌ والرَّدى لك لازمُ
فلا أنتَ في الأيقاظ يقظانُ حازمٌ ولا أنتَ في النُّوَّام ناجٍ فسالمُ
تُسَرُّ بما يَفنى وتفرحُ بالمنى كما سُرَّ باللذات في النوم حالم
وتسعى إلى ما سوف تكره غِبَّهُ كذلك في الدنيا تعيشُ البهائم
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ [النازعات: ٤٦].
٢ - وقال تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [الأحقاف: ٣٥].
٣ - وقال تعالى: ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ [الليل: ١١].
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: [يُؤتى بأنعمِ أهلِ الدنيا، مِنْ أهل النار، يوم القيامة، فَيُصْبَغُ في النار صَبْغَةً، ثمَ يُقال: يا ابنَ آدمَ! هل رأيتَ خيرًا قطّ؟ هل مَرَّ بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا، والله! يا رب! ] الحديث (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾.
إخبار عن عدله تعالى في خلقه، فإنَّه قد أعذر إلى كل أمة قبل إهلاكها، فلما طغوا وأبوا إلا الكفر والعناد قابلهم بالعذاب والدمار.
(١) ذكره القرطبي في التفسير، عند هذه الآية.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٨٠٧)، وأحمد (٣/ ٢٠٣)، وأخرجه أبو يعلى (٣٥٢١).


الصفحة التالية
Icon