قال الكسائي: ﴿ذِكْرَى﴾ في موضع نصب على الحال. وقال الفراء: بل في موضع نصب على المصدر والتقدير: يذكّرون ذكرى. واختاره القرطبي وقال: (وهذا قول صحيح؛ لأنَّ معنى ﴿إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ﴾ إلا لها مذكّرون. ويجوز أن يكون ﴿ذِكْرَى﴾ في موضع رفع على إضمار مبتدأ. قال أبو إسحاق: أي إنذارنا ذكرى. وقال الفراء: أي ذلك ذكرى، وتلك ذكرى. ﴿وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ في تعذيبهم حيث قدمنا الحجة عليهم وأعذرنا إليهم).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: ٤٦].
٢ - وقال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين: ٨].
وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر مرفوعًا إلى النبي - ﷺ - فيما يرويه عن ربه عز وجل: [قال الله تعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا] (١).
٢١٠ - ٢١٢. قوله تعالى: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٠: ٢١٢].
في هذه الآيات: حفظُ الله القرآن عن أيدي الشياطين وسمعهم برمي الشهب عليهم، فهو تنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب محمَّد النبي الأمين.
وعن قتادة: (قوله: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ﴾ قال: هذا القرآن. وفي قوله: ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ قال: عن سمع السماء).
فذكر سبحانه أن هذا الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنما هو تنزيل رب العالمين نزل به الروح جبريل الأمين، وما تنزلت به الشياطين، فإن ذلك ممتنع عليهم من ثلاثة أوجه:
الوجه الأوّل: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ﴾. قال ابن كثير: (أي: ليس هو من بُغيتهم ولا من

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٨/ ١٧)، وأحمد في المسند (٥/ ١٦٠) من حديث أبي ذر.


الصفحة التالية
Icon