مناف! إني نذير، إنما مثلي ومثلكم، كمثل رجل رأى العدوَّ، فانطلق يريد أهله، فخشي أن يسبقوه إلى أهله، فجعل يهتف: يا صباحاه، يا صباحاه! أُتيتُم أُتيتم] (١).
ثمَّ إن الرحم المظلومة والقرابة المقطوعة ستقف يوم القيامة أمام ربها عز وجل تلتمس منه النصر من الذي قطعها ومن الذي ظلمها، فينتصر الله لها أمام الخلائق في مشهد الحساب.
فقد أخرج الإمام البخاري في "الأدب المفرد" بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو وأبي هريرة قالا: [عطف لنا النبي - ﷺ - إصبعه فقال: الرحم شَجْنَةٌ من الرحمن، من يصلها يصله، ومن يقطعها يقطعه، لها لسان طلقٌ ذَلْقٌ يوم القيامة، تقول: يا ربّ إني ظلمت، يا ربّ إني قطعت، يا ربّ إني إني، فيجيبها: ألا ترضين أن أقطع من قطعك، وأصل من وصلك؟ (وفي رواية: قالت بلى يا ربّ. قال: فذلك لك). ثمَّ قال أبو هريرة: فاقرؤوا إن شئتم: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: ٢٢]] (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
قال ابن زيد: (يقول: لِنْ لهم). قال ابن جرير: (يقول: وألن جانبك وكلامك لمن اتبعك من المؤمنين).
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
أي: فإن أصرّت عشيرتك - يا محمَّد - وقرابتك على عبادة الأوثان ولزوم تقاليد الآباء الفاسدة وأبوا إلا معصية أمرك فيما تدعوهم إليه من الوحي الكريم والهدي العظيم، فقل لهم: إني بريء مما أنتم عليه من عبادة الأصنام ومعصية رب الأنام.
وقوله تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾.
أي: واجعل اعتمادك - يا محمَّد - على العزيز في انتقامه من أعدائه، الرحيم بأوليائه وأهل الإنابة إليه.
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾. قال مجاهد: (أينما كنت).
(٢) حديث صحيح. انظر: "صحيح الأدب المفرد" (٣٩) باب فضل صلة الوحم. وكذلك (٤٦) باب إثم قاطع الرحم، لتفصيل الروايات.