قال ابن عباس: (ثمَّ استثنى المؤمنين منهم، يعني الشعراء، فقال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾).
وقوله: ﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾. قال ابن عباس: (في كلامهم). وقال ابن زيد: (ذكروا الله في شعرهم).
قال النسفي: (﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ أي: كان ذكر الله وتلاوة القرآن أغلب عليهم من الشعر، وإذا قالوا شعرًا قالوه في توحيد الله تعالى والثناء عليه والحكمة والموعظة والزهد والأدب ومدح رسول الله والصحابة وصلحاء الأمة ونحو ذلك مما ليس فيه ذنب).
قلت: وهذا الذي ذكره الإمام النسفي في تفسير هذه الآية هو من روائع البيان والتأويل لجوامع الكلم في قوله تعالى: ﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾.
قال ابن عباس: (يردون على الكفار الذين كانوا يهجون المؤمنين). وقال ابن زيد: (﴿وَانْتَصَرُوا﴾ من المشركين ﴿مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾).
قال ابن جرير: (يقول: وانتصروا ممن هجاهم من شعراء المشركين ظلمًا بشعرهم وهجائهم إياهم، وإجابتهم عما هجوهم به).
وفي السنة العطرة كثير من آفاق هذا الاستثناء لشعراء هذا الدين، ومن ذلك:
الحديث الأوّل: أخرج الإمام أحمد في مسنده، وابن حبَّان في صحيحه، بإسناد على شرط الشيخين عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه أنَّه قال للنبي - ﷺ -: إنَّ الله - عز وجل - قد نزل في الشعر ما أنزل، فقال رسول الله - ﷺ -: [إنَّ المؤمن يُجاهِدُ بسيفِهِ ولسانِه، والذي نفسي بيده لكأنَّ ما تَرْمونَهُمْ به نَضْحُ النَّبْلِ] (١).
الحديث الثاني: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن البراء بن عازب قال: [سمعت رسول الله - ﷺ - يقول لحسان بن ثابت: اهْجُهُم، أو هَاجِهِمْ، وجِبْرَئِيلُ معك] (٢).
الحديث الثالث: خرّج مسلم في الصحيح عن أبي هريرة: [أنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ وهو يُنْشِدُ الشِّعْرَ في المسجد، فَلحَظَ إليه، فقال: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ، وفيه مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ،
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٤٨٦) - كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل حسان بن ثابت.