الذنوب كُلَّها، فلم يترك منها شيئًا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجَةً إلا أتاها، فهل له من توبة؟ قال: فهل أسلمت؟ قال: أما أنا، فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله. قال: نعم، تفعل الخيرات وتترك السيئات. فيجعلهُنَّ الله لك خيرات كُلَّهن. قال: وغَدَراتي وفجراتي؟ قال: نعم. قال: الله أكبر! فما زال يكبر حتى توارى] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾.
قال ابن كثير: (هذه آية أخرى، ودليلٌ باهرٌ على قدرة الله الفاعل المختار، وصِدْقِ مَنْ جعل له مُعجزةً، وذلك أن الله تعالى أمره أن يُدخِلَ يَده في حبيب دِرْعِه، فإذا أدخلها وأخرجها خرجت بيضاء ساطِعةً، كأنها قطعة قَمَرٍ لها لَمَعانٌ يتلألأ كالبرق الخاطِفِ. وقوله تعالى: ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾، أي: هاتان ثنتانِ من تسعِ آياتٍ أُؤيدك بِهنَّ، وأجعلهن بُرهانًا لك إلى فرعون وقومه، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾. وهذه هي الآيات التسع التي قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١]).
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾.
قال ابن جُريج: (﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً﴾ قال: بينة ﴿قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾. يقول: قال فرعون وقومه: هذا الذي جاءنا به موسى سحر مبين، يقول: يبين للناظرين له أنَّه سحر).
وقوله: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾.
قال ابن زيد: (استيقنوا أن الآيات من الله حق، فلِمَ جحدوا بها؟ قال: ظلمًا وعلوًا).
وقال ابن جريج: (﴿ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾: تعظمًا واستكبارًا).
والمعنى: لقد جحد فرعون وقومه الآيات التسع وكذبوها بعدما أيقنتها قلوبهم، وعلموا يقينًا أنها من عند الله، وإنما حملهم على معاندتها والتنكر لها الكبر والظلم