الذي ألفوه وأحبوه وظنوا أنَّه يجرّ لهم المنافع والمناصب والمصالح، حتى انتقم الله منهم وانقلب السحر على الساحر.
وقوله: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾.
أي: فانظر - يا محمَّد - بعين قلبك كيف كان مصيرهم بعد طغيانهم، وكيف أغرقهم الله عن آخِرهم في صبيحة واحدة. والخطاب بطريق الأولى لمشركي قريش الذين يواجهون الوحي بعنادهم وكبرهم، فإن التاريخ المؤلم قد يعيده الله على مستحقيه متى شاء وأين شاء، فليعتبر هؤلاء الطغاة أن ينالهم ما نال فرعون وقومه من الدمار والهلاك والأيام النَّحِسات.
١٥ - ١٩. قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾.
في هذه الآيات: خبرُ داود وسليمان عليهما السلام وحمدهما الله تعالى الذي فضلهما على كثير من عباده المؤمنين، وتسخيره تعالى لسليمان الجن والإنس والطير فهم يوزعون. وسماعُه حديث النملة في وادي النمل وتبسمه من قولها وشكره الله الذي أنعم عليه وعلى والديه وسؤاله الدخول في عباده الصالحين.
فقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا﴾. قال قتادة: (أي فهمًا).
وقيل: علمًا بالدين والحكم وغيرهما، كما قال جلّ ذكره: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٨٠].
قال ابن جرير: (﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا﴾ وذلك علم كلام الطير والدّواب، وغير ذلك مما خصّهم الله بعلمه).


الصفحة التالية
Icon