قلت: ولا شك أن الله تعالى اختص داود وسليمان عليهما السلام إضافة إلى علوم الوحي والنبوة والحكمة، بعلوم كثيرة تفيد التمكين في الأرض، وقوة الملك والنفوذ لإقامة دولة الحق.
وقوله: ﴿وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
فيه مسألتان:
المسألة الأولى: حَمْدُ الله تعالى على النعمة، وهو أفضل من النعمة نفسها.
قال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٣].
وفي سننٍ ابن ماجة بإسناد حسن عن أنس قال: قال رسول الله - ﷺ -: [ما أنعم الله على عَبْدٍ نِعْمَة فقال: الحَمْدُ لله، إلا كان الذي أعطاه أَفْضَلَ مما أخذَ] (١).
المسألة الثانية: شرف العلم ورفعة منزلته على بقية النعم.
قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: ١١].
وقال هنا: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
قال القرطبي: (وفي الآية دليل على شرف العلم وإنافة محلّه وتقدّم حملته وأهله، وأن نعمة العلم من أجَلّ النِّعَم وأجزل القِسَم، وأن مَنْ أوتيه فقد أوتي فضلًا على كثير من عباد الله المؤمنين).
وقوله: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾. قال ابن كثير: (أي: في الملك والنبوة، وليس المرادُ وِراثة المال، إذ لو كان كذلك لم يَخُصَّ سليمان وحدَه من بين سائر أولاد داودَ، فإنَّه قد كان لدوادَ مئةُ امرأة، ولكن المراد بذلك وراثةُ المُلك والنبوة، فإن الأنبياء لا تورثُ أموالهم. كما أخبر بذلك رسول الله - ﷺ -: "نحن معشر الأنبياء لا نُورث، ما تركنا فهو صدقة").
وقوله: ﴿وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
قال النسفي: (تشهيرًا لنعمة الله تعالى واعترافًا بمكانها، ودعاء للناس إلى التصديق