لينزلن به العقاب الأليم. ومجيء الهدهد بالخبر المُسَوِّغ لتأخّره بوجود ملكة وقومها يسجدون للشمس من دون الله العلي العظيم.
فعن وهب بن منبه: (﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ أخطأه بصري في الطير، أو غاب فلم يحضر؟ ).
والتفقد طلب ما غاب عنك. قال النسفي: (﴿أم غاب﴾ أم بمعنى بل، والمعنى أنَّه تعرف الطير فلم يجد فيها الهدهد، فقال ما لي لا أراه على معنى أنَّه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك، ثمَّ لاح له أنَّه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول بل هو غائب).
قلت: وهذا يدل على قيام سليمان على أمر جنوده ومتابعته لشؤونهم وأحوالهم وما وكل إليهم من أعمال، وهو درس للقادة المسلمين بعده في الحرص على إقامة العدل والانضباط، والتأكد من جاهزية الجنود والعمال، وحسن أدائهم لوظائفهم.
وقوله: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾. قال ابن عباس: (يعني نَتْفَ ريشه).
وقال عبد الله بن شداد: (نتف ريشه وتشميسُه). وقيل: نتف ريشه وتَركه ملقى يأكله الذّرُ - صغار النمل.
قلت: ولا دليل على كل ما ذُكر، والله أعلم كيف مقصود سليمان بهذا العذاب الشديد.
وقوله: ﴿أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ﴾. قال الضحاك: (يقول: أو لأقتلنه).
وقوله: ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾. أي بعذر واضح جلي.
قال ابن عباس: (يقول: ببينة أعذره بها، وهو مثل قوله: ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ﴾ [غافر: ٣٥] يقول: بغير بَيِّنَة).
وقال عكرمة: (كل شيء في القرآن سلطان، فهو حجة).
وقوله: ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ أي الهدهد، غاب زمانًا يسيرًا ثمَّ أقبل فقال لسليمان: ﴿أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ أي: اطلعت على أمر غاب عنك وعن جنودك.
قال وهب بن منبه: (أي أدركت ملكًا لم يبلغه ملكك).
وقوله: ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾. أي: أتيتك من سبأ بِخبرِ صِدْقٍ حق يقين.
وسبأ: هم حِمير، وهم ملوك اليمن.