مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠)}.
في هذه الآيات: استثارةُ سليمان عليه السلام من فعل بلقيس وهديتها، وتقريره الزحف بجيش كبير نحوها، ورؤيته إبراز شيء من قوته وسلطانه ليباغتها به عند وصولها، واستعانتُه بالجن وعالِمِهم في ذلك وشكره ربه تعالى على ما آتاه من القوة والتمكين، وأغدق عليه من ألوان النعيم.
فقوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾. قال ابن كثير: (أي: أتصانعونني بمال لأترككم على شرِكِكم ومُلْكِكم؟ ! ﴿فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ﴾ أي: الذي أعطاني الله من الملك والمال والجنود خيرٌ مما أنتم فيه، ﴿بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾، أي: أنتم الذين تنقادونَ للهدايا والتحَف، وأما أنا فلا أقبل إلا الإِسلامَ أو السَّيف).
قلت: وقد أكثر المفسرون من ذكر تفاصيل الهدية دون دليل يليق على منهاج النبوة، وإنما أَكْثَرُ ذلك مأخوذٌ مِنَ الإسرائليات. ومِن ثمَّ فلا ينبغي تسويد صفحات كتب التفسير به، والظاهر أن سليمانَ عليه الصلاة والسلام لم يأبه إلى ماهية هديتهم وما فيها من زينة وعجائب، بل نظر أبعدَ من ذلك بكثير، وهو مستقبل الناس بين يدي الله - عز وجل - ونجاتهم من عذاب الله يوم القيامة، هذا من جهة، ومستقبل دولة الإِسلام أن لا يجاورها دولة شرك في الأرض من جهة أخرى.
وقوله: ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ﴾. أي: رُدَّ عليهم هديتهم. قال ابن جرير: (وهذا قول سُليمان لرسول المرأة).
وقوله: ﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾. قال أبو صالح: (لا طاقة لهم بها). قال النسفي: (وحقيقة القبل المقاومة والمقابلة، أي لا يقدرون أن يقابلوهم).
وقوله: ﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾. قال وهب بن منبه: (أو لتأتيني مسلمة هي وقومها).
والمقصود: ولنخرجهم من سبأ مهانين أذلاء إن لم يأتوا مسلمين ويدينوا بالولاء للإسلام ودولة الحق.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾.
إخبار عن إرادة سليمان إظهار عظمة ما وهبه الله من الملك واستقرار دولة الحق،