وقوله: ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾.
أي: فلما رأى سليمان عليه السلام عرش بلقيس ماثلًا أمام عينيه مستقرًا بين يديه أدرك عِظم فضل الله عليه وقال: هذا من نِعَم الله عليّ ليختبرني ويمتحنني، أأشكر ذلك من منّه وكرمه عليّ، أم أكفر نعمته علي فأهمل شكرها.
وقوله: ﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾.
أي: ومن شكر الله تعالى على نعمه فهو إنما يرجع بفائدة ذلك الشكر على نفسه: من رضا الله تعالى عليه، والزيادة له في نعمه، وذكره في عباده الشاكرين. فإن الله تعالى لا يحتاج إلى شكر عبده، ومن كفَرَ نعم الله تعالى فجحدها أو أهمل شكرها فإنما يرجع وبال ذلك عليه، فالله تعالى غني لا يفتقر إلى أحد، كريم يغدق على جميع عباده كافرهم ومؤمنهم.
قال ابن جرير: (﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ يقول: ومن كفر نعمه وإحسانه إليه وفضله عليه، لنفسه ظَلَمَ وحظَّها بَخَسَ، والله غني عن شكره، لا حاجة به إليه، لا يضره كفر من كفر به من خلقه، كريم: ومن كرمه إفضاله على من يكفر نعمه، ويجعلها وصلة يتوصل بها إلى معاصيه).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٧].
٢ - وقال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٣].
وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر مرفوعًا إلى النبي - ﷺ - فيما يرويه عن ربه - عز وجل -: [قال الله تعالى: يا عبادي، لو أن أولكم وآخرَكم، وإنسكم وجنَّكم، كانوا على أتقى قلبِ رجُلٍ واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا. يا عبادي، لو أنَّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلبِ رجلٍ منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا. يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحْصيها لكَم، ثمَّ أوفيكم إياها، فمن وجَدَ خيرًا فليحمد الله، ومن وَجَدَ غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَه] (١).