قلت: وإنما منهاج المرسلين في بعث الأمل في نفوس العباد بإشراقة الثقة بالله، وباختيار الكلمة الطيبة التي ترضي الله سبحانه فيغير أحوال عباده ويسعدهم.
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله - ﷺ - قال: [لا عدوى، ولا طيرة، ولا هَامةَ، ولا صَفَرَ، ولا نَوْءَ، ولا غُول] (١).
والعدوى من الإعداء، أي يُصاب الرجل بمثل ما بصاحب الداء، فأخبر أن ذلك إن حصل فبقدر الله. والطِّيَرَةُ من أمر الجاهلية وهي تعليق الخير والشر على حركة طائر. قال عكرمة: (كنا جلوسًا عند ابن عباس، فمرّ طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير خير. فقال ابن عباس: لا خير ولا شر، فبادره بالإنكار عليه، لئلا يعتقد تأثيره في الخير والشر).
والهامة: طير من طير الليل كأنه البومة، كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم.
والصفر: حية تصيبُ بطن الماشية والناس، وهي أعدى من الجرب عند العرب.
والنَوْء: جمعها أنواء وهي منازل القمر، فكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة يكون مطر.
والغول: جنس من الجن والشياطين، تزعم العرب أنَّه يخرج في الطريق فيضلهم ويهلكهم.
وفي سنن أبي داود بسند صحيح عن ابن مسعود مرفوعًا: [الطِّيرة شرك، الطِّيرةُ شِرك، وما منا إلا، ولكن الله يُذهِبُهُ بالتوكل] (٢).
والخلاصة: إن التطير عادة جاهلية قبيحة، حاربها الإِسلام، وردّها المرسلون على أقوامهم.
وقوله: ﴿قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾. قال ابن عباس: (مصائبكم). وقال قتادة: (علمكم
(٢) حديث صحيح. أخرجه أبو داود (٢/ ١٥٨)، والبخاري في "الأدب المفرد" (١٣١)، والترمذي (١/ ٣٠٤)، وابن ماجة (٢/ ٣٦٢ - ٣٦٣)، والحاكم (١/ ١٧ - ١٨)، وابن حبَّان (١٤٢٧)، وأحمد (١/ ٣٨٩)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (٤٣٠).