ومن صحيح السنة المطهرة في آفاق هذه الآية أحاديث:
الحديث الأول: روى مسلم في صحيحه عن الشَّعبي، عَنْ مَسْروق قال: [كنت مُتَّكِئًا عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة! ثلاثٌ من تَكَلَّمَ بواحِدةٍ منهن فقد أَعْظَمَ على الله الفِرية، قلتُ ما هُنَّ؟ قالت: مَنْ زَعَمَ أن مُحَمدًا - ﷺ - رأى رَبَّهُ فقد أعظَمَ على الله الفرية... قالت: ومن زعم أن رسول الله - ﷺ - كتمَ شيئًا مِن كتاب الله فقد أعظم على الله الفِرْية، والله يقول: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [المائدة: ٦٧]. قالت: ومن زعمَ أنه يُخْبِرُ بما يكون في غَدٍ فقد أعظَمَ على الله الفِرية. والله يقول: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾] (١).
الحديث الثاني: أخرج ابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة قال: [كان رسول الله - ﷺ - يومًا بارزًا للناس. فأتاه رجل فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ فقال: ما المسؤول عنها بأعْلَمَ من السائل. ولكن سأخبرك عن أشراطها. إذا ولدت الأمة رَبَّتَها، فذاكَ مِنْ أشراطها، وإذا كانت الحُفاةُ العراةُ رؤوس الناس، فذاك من أشراطها. وإذا تطاولَ رِعاءُ الغنم في البُنيان، فذاك من أشراطِها. في خمس لا يَعْلَمُهنَّ إلا الله. فتلا رسول الله - ﷺ -: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾ الآية] (٢).
قال قتادة: (إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة للسماء، وجعلها يُهتدى بها، وجعلها رجومًا فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه، وأخطأ حَظَّهُ، وأضاع نصيبَهُ، وتكلَّف ما لا عِلمَ له به. وإنّ ناسًا جَهَلَةٌ بأمر بالله، قد أحدثوا من هذه النجوم كَهَانة: من أعْرَسَ بِنَجْم كذا وكذا، كان كذا وكذا. ومن سافَرَ بنجم كذا وكَذا، كان كذا وكذا. ومن وُلدَ بِنَجْم كذا وكذا، كان كذا وكذا، ولعمري (٣) ما من نجم إلا يُولَد به الأحمرُ والأسودُ، والقصير والطويلُ، والحسَنُ والدَّميمُ، وما عِلْمُ هذا النجم

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٧٧)، كتاب الإيمان، في حديث طويل هذا معظمه وأهمه.
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (٦٤)، (٤٠٤٤). وانظر صحيح سنن ابن ماجة (٣٢٦٨).
(٣) قلت: هذا الحلف لا ينبغي، والصواب لعمر الله، وإنما كان منه نحوه في الجاهلية. والأثر رواه ابن أبي حاتم. وذكره ابن كثير في التفسير وقال: وهو كلام جليل متين صحيح.


الصفحة التالية
Icon