وهذه الدّابةِ وهذا الطير بشيءٍ من الغيب! وقضى الله تعالى أنه: ﴿لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾).
وقوله: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾.
قرأه قراء مكة: ﴿بل أَدْرَكَ علمهم في الآخرة﴾. والتقدير: هل أدرك علمهم علم الآخرة.
وقرأه قراء الكوفة: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾. والتقدير: أي لم يدرك.
ومن أقوال المفسرين في ذلك:
أ - على القراءة الأولى:
١ - عن ابن عباس: (﴿بل أدْرَكَ علمهم في الآخرة﴾ يقول: غاب علمهم).
٢ - وقال مجاهد: (﴿بل أَدْرَكَ علمهم﴾ قال: أم أدرك علمهم من أين يدرك علمهم).
٣ - وقال قتادة: (﴿بل أَدْرَكَ علمهم في الآخرة﴾، يعني بِجَهْلِهِم رَبَّهم، يقول: لم يَنْفُذْ لهم إلى الآخرة علمٌ).
٤ - وقال عطاء عن ابن عباس: (﴿بل أدرك علمهم في الآخرة﴾ حين لم ينفع العلم).
والمقصود: أن علمهم إنما يُدرِكُ ويَكمُل يومَ القيامة حيثُ لا ينفعهم ذلك كما قال تعالى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [مريم: ٣٨]. وقد جاء في قراءة الحسن: ﴿بل ادّرك علمهم﴾ قال: (اضمحلّ علمهم في الدنيا حين عاينوا الآخرة).
ب - على القراءة الثانية:
١ - عن أبي حمزة، عن ابن عباس: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾: أي لم يدرك).
٢ - قال ابن زيد: (يقول: ضل علمهم في الآخرة فليس لهم فيها علم، ﴿هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾).
وفي الحديث السابق: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" - أي تساوى في العجز عن درك ذلك علم السائل والمسؤول.
والخلاصة: أن المعنى حسب القراءتين المشهورتين يقتضي انتهاء علمهم وعجزهم عن معرفة وقت قيام الساعة، وكثير منهم يوقنون بها يوم حدوثها فيعلمون أنها حق.