والمقصود: أن هذا القرآن وسط عدل بين افتراء اليهود وغلو النصارى، فعيسى عليه الصلاة والسلام عبدٌ من عباد الله وأنبيائه ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الزخرف: ٥٩].
٢ - وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ [مريم: ٣٤].
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس: سَمعَ عمرَ رضي الله عنه يقولُ على المِنبر: سمعت النبي - ﷺ - يقول: [لا تُطْرُوني كَما أطرت النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدُهُ فقولوا: عَبْدُ الله ورسولُه] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
أي: وإن هذا القرآن هدى لقلوب المؤمنين ورحمة لمن صدق به وعمل بأمره.
قال القرطبي: (خصَّ المؤمنين لأنهم المنتفعون به).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾.
أي: إن ربك - يا محمد - يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بحكمه فيهم، فيجازي المحسن بإحسانه، والمبطل بجزائه. قال القاسمي: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ﴾ أي بين مَنْ آمن بالقرآن ومن كفر به، بعدله وحكمته ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ أي فلا يردّ قضاؤه، الغالب في انتقامه من المبطلين ﴿الْعَلِيمُ﴾ أي بالفصل بينهم وبين المحقين).
وقوله تعالى: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾.
أي: ففوض أمرك - يا محمد - إلى الله العظيم، فإنك أنت على سبيل الحق المبين.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾.
أي: إنك يا محمد لا تسمع الكفار فهم كالموتى لا حسّ لهم ولا عقل، بسبب إعراضهم عن التدبر، كذلك هم بمنزلة الصم عن فهم المواعظ وسماع ما ينفعهم. قال