وقوله: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: قال موسى حين قتل القتيل: هذا القتل من تسبب الشيطان لي بأن هَيَّجَ غضبي حتى ضربتُ هذا فهلكَ من ضربتي، ﴿إِنَّهُ عَدُوٌّ﴾ يقول: إن الشيطان عدوّ لابن آدم ﴿مُضِلٌّ﴾ له عن سبيل الرشاد بتزيينه له القبيح من الأعمال، وتحسينهِ ذلكَ له ﴿مُبِينٌ﴾ يعني أنه يبين عداوته لهم قديمًا، وإضلاله إياهم).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
قال ابن جريج: (قوله ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ قال: بقتلي، من أجل أنه لا ينبغي لنبيّ أن يقتل حتى يؤمر، ولم يؤمر). قال قتادة: (عرف المخرج، فقال: ﴿ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ﴾).
قلت: وهذا هو المخرجُ دومًا من ألم اجتراح الذنوب أن يهرع العبد إلى ربهِ تعالى متذللًا له بالتوبة والاستغفار راجيًا رحمتهُ ومغفرته وتجاوز الزلل والصفح والستر، وقد وعد اللهُ تعالى عباده إذا أخبتوا إليهِ بالمغفرة والرحمة.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ٣٧].
٢ - وقال تعالى - في تفصيل تلك الكلمات -: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣].
٣ - وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠١].
ومن صحيح السنة المطهرة في آفاق هذه الآية أحاديث:
الحديث الأول: أخرج مسلم في صحيحه عن أبي أيوب مرفوعًا: [لو أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم، لجاء اللهُ بقومٍ لهم ذنوب يغفرها لهم] (١).
وله شاهد عند البزار من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا بلفظ: [لو لم تُذنبوا لذهب اللهُ بكم، ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم].
الحديث الثاني: أخرج الطبراني بإسنادٍ حسن عن أبي سعيد الأنصاري رضي اللهُ