قال قتادة: (الاستنصار والاستصراخ واحد). وقال عكرمة: (الذي استنصره: هو الذي استصرخه).
والمقصود: بينما موسى عليه الصلاة والسلام يمشي خائفًا من مغبة قتل القبطي بالأمس، يتلفت ويتوقع ما يمكن أن يكون، إذ مرّ ببعض الطرق بذلكَ الإسرائيلي يقاتل قبطيًا آخر فاستصرخهُ فقال له موسى: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾. أي شديد الغواية، كثير الوقوع في المآزق والشرور. قال ابن إسحاق: (فأصبح موسى غاديًا الغد، وإذا صاحبه بالأمس معانق رجلًا آخر من عدوه، فقال له موسى: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ أمس رجلًا، واليوم آخر؟ ).
وقوله: ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾.
قال ابن كثير: (ثم عزم على البطش بذلكَ القبطي، فاعتقد الإسرائيلي لِخَوَرِهِ وضَعْفِهِ وذِلَّتِهِ أن موسى إنما يُريدُ قَصْدَهُ لمَّا سَمِعَهُ يقولُ ذلك، فقال يدفع عن نفسه: ﴿يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾. وذلكَ لأنه لم يعلم به إلا هُوَ وموسى عليه السلام، فلما سَمِعَها ذلكَ القبطي لَقِفَها من فَمِهِ، ثم ذهبَ بها إلى باب فِرعونَ فألقاها عندهم، فعَلِمَ بذلكَ، فاشتدَّ حَنَقُه، وعَزَمَ على قتلِ موسى، فطلبوَه وبَعثُوا وراءَهُ لِيُحْضِروه لذلك).
وقوله: ﴿إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ﴾. قال قتادة: (إن الجبابرة هكذا، تقتل النفس بغير النفس). وقال ابن جريج: (تلك سيرةُ الجبابرة أن تقتل النفس بغير النفس).
وقوله: ﴿وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾. قال ابن إسحاق: (أي: ما هكذا يكون الإصلاح). وقال ابن جريج: (يقول: ما تريد أن تكون ممن يعملُ في الأرض بما فيهِ صلاحُ أهلها، من طاعة الله).
٢٠ - ٢٢. قوله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ