وقوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
أي: فلما أقبل إليهِ وقابله وأخبره أمره وسبب خروجه من بلده، طمأنهُ الرجل الصالح (١) بأن لا سلطان لفرعون في هذه القرية -مدين- وقد أصبحت بإذن الله ناجيًا من مكر القومِ الظالمين.
وقوله تعالى: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾.
أي: قالت إحداهما -قيل هي التي أرسلها أبوها لتأتي بموسى- يا أبتِ: استعملهُ ليرعى ماشيتكَ وشؤونك، فإنه القوي على ذلكَ الأمينُ فيما ولي واستودع لا تخشى منه خيانة.
قال ابن عباس: (فأحفظته الغيرةُ أن قال: وما يدريكِ ما قوّته، وأمانتهُ؟ قالت: أما قوتهُ، فما رأيت منه حين سقى لنا، لم أرَ رجلًا قط أقوى في ذلكَ السقي منه -وفي رواية غيره قالت: إنه رفَعَ الصخرة التي لا يُطيقُ حَملَها إلا عَشَرَةُ رجال- وأما أمانتهُ، فإنه نظر حين أقبلت إليهِ وشخصت له، فلما علمَ أني امرأة صوّب رأسه فلم يرفعه، ولم ينظر إلي حتى بلغته رسالتكَ، ثم قال: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، ولم يفعل ذلكَ إلا وهو أمين، فسريَ عن أبيها وصدَّقها وظنَّ به الذي قالت).
وفي رواية: قال ابن عباس: (إن موسى لما سقى لهما، ورأت قوّتهُ، وحرّكَ حجرًا على الركِيّةِ، لم يستطعهُ ثلاثون رجلًا، فأزالهُ عن الركية، وانطلقَ مع الجاريةِ حينَ دعته، فقال لها: امشي خلفي وأنا أمامك، كراهية أن يرى شيئًا من خلفها مما حَرَّمَ اللهُ أن ينظر إليه).
وفي الأثر عن عبد الله بن مسعود قال: (أفرسُ الناس ثلاثةٌ: أبو بكر حين تفَرَّسَ في عُمَرَ، وصاحب يوسف حين قال: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾، وصاحبة موسى حين قالت: ﴿يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾).
وقوله: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ﴾.
أي: قال الشيخ الصالح لموسى -عليه السلام- إني أرغبُ بتزويجكَ إحدى ابنتي