وقوله: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ﴾. أي: فلما وصل إليها نودي موسى من جانب الوادي مما يلي الجبل عن يمينهِ من ناحية الغرب، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾ [القصص: ٤٤].
قال ابن كثير: (فهذا مما يرشد إلى أن موسى قصد النار إلى جهة القبلة، والجبلُ الغربي عن يمينه، والنار وجدها تضطرمُ في شجرة خضراء في لِحْفِ الجبل مما يلي الوادي، فوقف باهتًا في أمرها، فناداه ربه: ﴿مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ﴾).
وقوله: ﴿أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.
أي: إنما يتوجه إليكَ الخطاب يا موسى من الله تعالى رب العالمين، رب كل شيء ومليكهُ، لا إله إلا هو، الإله الحق، ليس كمثلهِ شيء وله صفات الكمال والجمال.
وقوله: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾. أمرٌ من الله تعالى لموسى عليه السلام بإلقاء عصاه التي في يدهِ، ليريه تعالى فيها آية تناسب مقام التكليم، ومفاجأة هذا الأمر العظيم.
وقوله: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾. الجانّ واحد الجِنَّان، وهو نوع عظيم من الحيات. والمقصود: فألقى موسى عصاه فصارت حية تَسعى، فلما رآها تضطرب وتتحرك كالجان من الحيات ولى موسى هاربًا منها ومن هول ما رأى. قال قتادة: ﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾ فارًا منها، ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ يقول: ولم يرجع على عقبه). أو قال: (لم يلتفت من الفرق). وقال السدي: (لم ينتظر).
وقوله: ﴿يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾. أي: ناداه ربه مطمئنًا له ليرجع. قال النسفي: (أي أمنتَ من أن ينالك مكروه من الحية).
وقوله: ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾.
أي: أدخل يدك في جيب قميصكَ تخرج بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس من غير برص ولا أذى. قال الحسن: (فخرجت كأنها المصباح، فأيقن موسى أنه لقي ربه).
وقوله: ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾. قال ابن عباس: (يدك).
وقوله: ﴿مِنَ الرَّهْبِ﴾. قال مجاهد: (الفَرَق). وقال قتادة: (أي من الرعب).
قلت: والمقصود: واضمم يدكَ إلى صدركَ -يا موسى- يذهب عنكَ ما وجدته من