فقوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى﴾.
قال القرطبي: (﴿بَيِّنَاتٍ﴾ أي ظاهرات واضحات. ﴿قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى﴾ مكذوب مختلق). والمقصود: لما عرض موسى حجج الله تعالى البالغات، والمعجزات الباهرات بين يدي فرعون وملئه وحوصروا بدلالة الحق، لجؤوا إلى الاتهام بالسحر واستخدام المكر والحيلة.
وقوله: ﴿وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾. قال الشهاب: (وهذا إما تعمد للكذب وعناد بإنكار النبوات، وإن كان عهدُ يوسف قريبًا منهم. أو لأنهم لم يؤمنوا به أيضًا).
والمقصود: محاولة من فرعون وملئه إنكار دعوة موسى إليهم إلى عبادة الله وحده، ونبذ الشرك والكفر الذي هم عليه، وذلك بادعاء غرابة ما يدعوهم إليه وأنه لم يكن في أسلافهم وآبائهم الذين مضوا قبلهم.
وقوله: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ﴾.
أي: قال موسى لفرعون: إن ربي -يا فرعون أمحلم مَنِ المحِقُّ مِنَا مِنَ المُبْطل، الذي غَرَّ قومهُ وأضل أتباعهُ وأهلكَ جنوده أم الذي قرّب إليهم طريق الهداية والنجاة، وجاءهم بالآيات البينات؟ ! قال المهايمي: (معناه: كفى دليلًا على كونها آيات، أنها خوارق لم يسبق لها نظير. مع أن ما جئت به هدى. والساحر لا يدعو في العموم إلى هدى. فإن لم تعترفوا بكونهِ هُدى، فربي أمحلم بمن جاء بالهدى من عندهِ، ويعلم ذلكَ بالعاقبة، فإن الله يحسن عاقبة أهل الهدى لا محالة).
قال النسفي: (والمراد بالدار الدنيا، وعاقبتها أن يختم للعبد بالرحمة والرضوان وتلقي الملائكة بالبشرى والغفران).
وقوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾. أي: إن الله عزيز حكيم، لا يرسل الكاذبين، ولا ينبئ السحرة المشعوذين، وقد كتب الخسارة على الظالمين.
وقوله: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾.
هو انهزام قبيح من فرعون أمام حجة الحق البالغة، ولجوء إلى بسط التسلط والجبروت، والاستفادة من تخويف الناس بالبطش والرعب لاستعادة الأبهة الكاذبة. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: وقال فرعون لأشراف قومه وسادتهم {يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ


الصفحة التالية
Icon