الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)}.
في هذه الآيات: إخبارُ الله تعالى عن إنعامه على موسى - ﷺ - بإنزال التوراة بعد إهلاكه فرعون لتكون هدى ورحمة لقوم يتذكرون. وإثبات نبوة محمد - ﷺ - لمنكريها أمام هذا الإخبار بالغيوب الماضية التي لا تكون إلا بالوحي الكريم.
فقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره، ولقد آتينا موسى التوراة من بعد ما أهلكنا الأمم التي كانت قبله، كقومِ نوحٍ وعادٍ وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين).
وقال ابن كثير: (يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله موسى الكليم -عليه من ربه الصلاة والتسليم- من إنزال التوراة عليه بعد ما أهلكَ فِرعونَ ومَلَأهُ.
وقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ يعني أنه بعد إنزال التوراة لم يُعَذِّب أُمَّةً بعامةٍ، بل أمر المؤمنين أن يقاتلوا أعداءَ الله من المشركين، كما قال: ﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً﴾ [الحاقة: ٩ - ١٠]).
قلت: والذي ذهب إليه ابن كثير متوافق مع الحديث الصحيح الوارد في هذه الآية.
فقد أخرج الحاكم والبزار بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: أما أهلك اللهُ قومًا، ولا قَرْنًا، ولا أمّةً، ولا أهل قريةٍ منذُ أَنْزَلَ التوراةَ على وجه الأرض بعذاب من السماء، غيرَ أهل القريةِ التي مُسِخَتْ قِرَدَةً، ألمْ تَرَ إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا