مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}] (١).
وقوله: ﴿بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾.
قال النسفي: (﴿بَصَائِرَ لِلنَّاسِ﴾ حال من الكتاب، والبصيرة نور القلب الذي يبصر به الرشد والسعادة، كما أن البصر نور العين الذي يبصر به الأجساد. يريد آتيناه التوراة أنوارًا للقلوب لأنها كانت عميًا لا تستبصر ولا تعرف حقًّا من باطل ﴿وَهُدًى﴾ وإرشادًا لأنهم كانوا يخبطون في ضلال، ﴿وَرَحْمَةً﴾ لمن اتبعها لأنهم إذا عملوا بها وصلوا إلى نيل الرحمة ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ يتعظون).
وقوله: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾.
قال قتادة: (﴿وَمَا كُنْتَ﴾ يا محمد ﴿بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾ يقول: بجانب غربي الجبل ﴿إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾).
قال القرطبي: (إذ كلفناه أمرنا ونهينا، وألزمناهُ عهدنا).
والمقصود: إثبات نبوة محمد - ﷺ - لمنكريها من قومه أمام هذا الإخبار بالغيوب الماضية التي لا يمكن برهانها إلا بالوحي من الله عز وجل.
وقوله: ﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾. أي: وما كنت لذلكَ من الشاهدين.
وقوله: ﴿وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا﴾. قال القاسمي: (أي بين زمانك وزمان موسى).
وقوله: ﴿فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾. أي طالت فترةُ انقطاع الوحي، وعمّ الظلم والجهل والبغي، فاقتضت حكمتهُ سبحانه استئنافَ النبوةِ فبعثكَ يا محمد بهذا الوحي.
قال النسفي: ﴿فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ أي طالت أعمارهم وفترت النبوة، وكادت الأخبار تخفى، واندرست العلوم، ووقع التحريف في كثير منها، فأرسلناكَ مجددًا لتلكَ الأخبار، مبينًا ما وقع فيه التحريف، وأعطيناكَ العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى).