وقوله: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾.
قال ابن زيد: (الثاوي: المقيم. ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾. يقول: تقرأ عليهم كتابنا ﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾. يقول: لم تشهد شيئًا من ذلكَ يا محمد، ولكنا كنا نحنُ نفعك ذلكَ ونرسل الرسل).
والمقصود: نحن -يا محمد- أوحينا إليكَ خبر أهل مدين مع نبيّهم شعيب عليه الصلاة والسلام، ولم تكن أنتَ مقيمًا بينهم حين أَخْبَرْتَ قومكَ عنهم، بل قَصَصْتَهُ عليهم مِنْ خَبَرِ هذا الوحي العظيم، فليعتبر قومكَ بهذا على برهان نبوتك.
وقوله: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا﴾. أي: إذ نادينا موسى لحمل الأمانةِ وأخذ الكتاب بقوة.
قال القرطبي: (أي كما لم تحضر جانب المكان الغربي إذ أرسل اللهُ موسى إلى فرعون، فكذلكَ لي تحضر جانب الطور إذ نادينا موسى لما أتى الميقات مع السبعين).
ويبدو أن هذه الآية تخصيص لعموم الآية التي قبلها: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾ وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الشعراء: ١٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (١٥) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ [النازعات: ١٥ - ١٦].
٣ - وقال تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: ٥٢].
وقوله: ﴿وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾.
قال مجاهد: (كان رحمة من ربك النبوة). وقال ابن زيد: (﴿وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ قال: الذي أنزلنا عليك من القرآن ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾) قال النسفي: (في زمان الفترة بينك وبين عيسى وهو خمس مئة وخمسون سنة).
والمقصود: إنما بعثناكَ -يا محمد- بهذا القرآن رحمة لقومكَ بعد فتور النبوات،