غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ في القرآن هذه الآية: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [العنكبوت: ٨]، ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: ١٥]] (١).
فالآية أَمْرٌ من الله تعالى عباده بالإحسان إلى الوالدين بعد أَمْرِهِ جَلَّ ثناؤه بإحسانِ العبادة إليه، وإفراده بالتعظيم والاستعداد للوقوف بين يديه، فإن برّ الوالدين من أحسن الأعمال، فهما سبب وجوده، وهما نَبْعُ العطف والحنان عليه، فالوالد بالإنفاق، والوالدة بالإشفاق، وقد ربط الله تعالى برّهما ببره، وعلَّق هذا الرحم بعرشه، فالإحسان إليهما واجب كبير، والإساءة إليهما شر مستطير، فإن أمراه بشِرْكٍ أو كُفْرٍ فلا يتابعهما ولكن يُصاحبهما بالمعروف.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: ٢٣ - ٢٤].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤)﴾ [لقمان: ١٤].
٣ - وقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥].
ومن كنوز السنة الصحيحة في ذلك أحاديث:
الحديث الأول: روى مسلم في صحيحه عن أسماءَ قالت: أقلت: يا رسول الله، إن أمِّي قدمت على، وهي راغبةٌ -أو راهبةٌ- أفأصِلُها؟ قال: نعم].
وفي رواية: قالت أسماء بنت أبي بكر: [قلت: يا رسول الله، قَدِمت عَلَيَّ أُمِّي وهيَ مُشْرِكَةٌ، في عهد قريشٍ إذْ (٢) عاهَدَهم، فاسْتَفْتَيْتُ رسولَ الله - ﷺ -، قلتُ:
(٢) قال الحافظ ابن حجر: (أرادت بذلك ما بين الحديبية والفتح، أي مدة عهد قريش).