كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١)﴾ [الحج: ١١].
أخرج ابن جرير ورجاله ثقات عن ابن عباس قال: أكان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإِسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم وقتل بعض. فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النساء: ٩٧] إلى آخر الآية. قال: وكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين هذه الآية لا عذر لهم قال: فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة فنزلت هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ إلى آخر الآية. فكتب المسلمون إليهم بذلك فخرجوا وأيسوا من كل خير، ثم نزلت فيهم: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠)﴾ [النحل: ١١٠] فكتبوا إليهم بذلك إن الله قد جعل لكم مخرجًا فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم ثم نجا من نجا وقتل من قتل] (١).
وقوله: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾.
أي: ولئن جاء نصر من ربك -يا محمد- لأهل الإيمان وفتح ومغانم، ليقولن هؤلاء لكم: إنا كنا معكم ننصركم على أعدائكم، ونحن إخوانكم في الدين. أو ليس الله بأعلم بما تخفيه قلوبهم وما تكنه صدورهم! !
وفي التنزيل نحو ذلك:
- قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ١٤١].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - ﷺ - قال: [تَعِسَ عَبْدُ الدِّينار وعَبْدُ الدرهم وعَبْدُ الخميصة، إنْ أُعطي رَضِيَ وإنْ لم يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانتكسَ، وإذا شيك فلا انتقَشَ، طوبى لِعَبْدٍ آخذٍ بِعنانِ فرَسه في سبيل الله أشعثَ