فقوله: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ﴾.
كقوله تعالى: ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ﴾ [الصافات: ٩٧ - ٩٨].
قال النسفي: (قال بعضهم لبعض، أو قاله واحد منهم وكان الباقون راضين فكانوا جميعًا في حكم القائلين فاتفقوا على تحريقه ﴿فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّار﴾ حين قذفوه فيها).
وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
أي: إن في إنجاء الله إبراهيم من لهب النار وسعيرها، وجعلها عليه بردًا وسلامًا، لأدلة وحججًا لقوم يصدقون بالحجج والأدلة إذا رأوا وعاينوا. وإن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون بقدرة الله على خرق العادات والسنن فيزيدهم ذلك إيمانًا وتسليمًا.
وقوله: ﴿وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. قال ابن جرير: (أي: تتحابون على عبادتها، وتتوادون على خدمتها، فتتواصلون عليها). وهذا على قراءة ﴿مودةَ﴾ بالنصب على أنه مفعول له. وأما على قراءة الرفع ﴿مودةُ﴾ فالمعنى: إنما اتخذتم هذا لتحصل لكم المودة في الدنيا فقط. والمقصود متقارب، والقراءتان مشهورتان.
وقوله: ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾.
أي: ثم يوم القيامة تنقلب عليكم هذه المودة لتصبح هذه الصداقة بَغْضَةً وشنآنًا، ثم تتجاحدون ما كان بينكم ويبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضًا. قال قتادة: (صارت كُلُّ خُلَّةٍ في الدنيا عداوة على أهلها يوم القيامة إلا خُلّة المتقين).
قال القاسمي: (﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ أي: تتجاحدون ما كان بينكم، ويلعن الأتباع المتبوعين، والمتبوعون الأتباع).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧)﴾ [الزخرف: ٦٧].
٢ - وقال تعالى: ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف: ٣٨].
٣ - وقال هنا: ﴿وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾. أي: ما لكم من منقذين


الصفحة التالية
Icon