الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣)}.
في هذه الآيات: تمثيلٌ بديع لحال المشركين في تَعَلُّقِهم بآلهتهم التي لا تضر ولا تنفع فهم كالمتعلق بشبكة خيوط العنكبوت لو كانوا يعلمون. وهذه الأمثال يضربها الله للناس وما يعقلها إلا العالمون.
قال ابن عباس: (قوله: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا.. ﴾ إلى آخر الآية، قال: ذلك مثل ضربه الله لمن عبد غيره، إن مثله كمثل بيت العنكبوت). قال ابن جرير: (﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ﴾ أي: أضعف البيوت). ﴿لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾. قال الضحاك: (ضرب مثلًا لضعف آلهتهم ووهنها فشبهها ببيت العنكبوت). وقال قتادة: (هذا مثل ضربه الله للمشرك، مثل إلهه الذي يدعوه من دون الله كمثل بيت العنكبوت واهن ضعيف لا ينفعه).
وقال ابن زيد: (هذا مثل ضربه الله، لا يغني أولياؤهم عنهم شيئًا كما لا يغني العنكبوت بيتها هذا). قال القرطبي: (﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾: أي لو علموا أن عبادة الأوثان كاتخاذ بيت العنكبوت التي لا تغني عنهم شيئًا، وأن هذا مثلهم لما عبدوها، لا أنهم يعلمون أن بيت العنكبوت ضعيف).
والمقصود: أن اتخاذ المشركين آلهة من دون الله وتعظيم الطواغيت يرجون نَصْرهم ورزقهم ويستغيثون بهم في النائبات والشدائد، إنما هم في ذلك كمن يتعلق للنجاة ببيت العنكبوت لا يجدي عنه شيئًا لضعفه ووهنه.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
تجهيلٌ للكفار حين عبدوا من دون الله جمادًا لا علم له ولا قدرة، وتركوا عبادة الله الواحد القادر القاهر الأحد. فالله تعالى يعلم عجز الهتهم التي يدعون من دونه، وهو ﴿الْعَزِيزُ﴾ الغالب الذي يقهر كل الأوثان والطواغيت ومن عظّمها، الحكيم في تدبير شؤون خلقه وإمهال المشركين إلى حين.
وقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾.
أي: وهذه الأمثال البديعة التي يضربها الله تعالى للناس إنما هي ليتدبروا أمرهم قبل ذوات الأوان، فيفردوه تعالى بالعبادة والتعظيم، وإنما يعي آفاق هذه الأشباه والنظائر والحكم الراسخون في العلم والإيمان.