وقوله: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾.
أي: أظهر هؤلاء المعرضون المناجاة فيما بينهم يقولون: هل محمد إلا بشر مثلكم فكيف اختصَّ بالوحي دونكم، فهم يستبعدون كونه نبيًّا لأنه بشر.
وقوله: ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾. قال ابن زيد: (قاله أهل الكفر لنبيهم لما جاء به من عند الله، زعموا أنه ساحر، وأن ما جاء به سحر، قالوا: أتأتون السحر وأنتم تبصرون).
قال ابن كثير: (أي: أفتتبعونه فتكونون كمن يأتي السحر وهو يعلم أنه سحر).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
تهديد ووعيد لأولئك المعرضين الذين يفترون الكذب ويختلقون الشبهات. وقراء مكة قرؤوا أول الآية: ﴿قَالَ رَبِّي﴾ على وجه الخبر. وأما قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين فقرؤوا ذلك: ﴿قَالَ رَبِّي﴾ على وجه الأمر. وهما قراءتان مشهورتان في الأمصار. والمعنى كما قال النسفي: (قال محمد - أو قل يا محمد - للذين أسروا النجوى ﴿رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ أي يعليم قول كل قائل هو في السماء أو الأرض سرًّا كان أو جهرًا ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوالهم ﴿الْعَلِيمُ﴾ بما في ضمائرهم).
وقوله تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾.
إخبار عن تردد القوم في افترائهم وشكهم. فأضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام مما يعتري المرء في نومه فظنها وحيًا، ثم عدلوا عق ذلك فقالوا: بل هو كلام مفترى من عنده، ثم بدا لهم أنه شاعر. وهذه هي طبيعة الباطل يترنح ويتأرجح ويتخبّط أهله. قال ابن جرير: (﴿فَلْيَأْتِنَا﴾ يقول: قالوا فليجئنا محمد إن كان صادقًا في قوله، أن الله بعثه رسولًا إلينا، وأن هذا الذي يتلوه علينا وحي من الله أوحاه إلينا ﴿بِآيَةٍ﴾ يقول: بحجة ودلالة على حقيقة ما يقول ويدّعي ﴿كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ يقول: كما جاءت به الرسل الأولون من قبله من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص وكناقة صالح، وما أشبه ذلك من المعجزات التي لا يقدر عليها إلا الله، ولا يأتي بها إلا الأنبياء والرسل).