قال مجاهد: (ينشرون: يُحيون). وقال ابن زيد: (يقول: أفي آلهتهم أحد يحيي ذلك ينشرون). قال القرطبي: (أنشر الله الميت فَنُشِر أي أحياه فحيي).
وربما قال قائل: لقد كانوا يقرون لله عز وجل أنه خالق السماوات والأرض وأنه القادر على المقدورات كلها وعلى النشأة الأولى، إلا أنهم ينكرون البعث - وما كانوا ينسبون لآلهتهم ذلك! ! فكيف يكون توجه الآية؟. الجواب: اسم القادر- عز وجل- يقتضي ذلك.
قال الزمخشري: (لكنهم بادعائهم لها الإلهية، يلزمهم أن يدعوا لها الإنشار، لأنه لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور. والإنشاء من جملة المقدورات. ثم قال: وفيه باب من التهكم بهم والتوبيخ والتجهيل، وإشعار بأن ما استبعدوه من الله لا يصح استبعاده، لأن الإلهية لما صحت صحّ معها الاقتدار على الإبداء والإعادة).
وقال القاسمي: (سر قوله تعالى ﴿مِنَ الْأَرْضِ﴾ هو التحقير، أي تحقير الأصنام بأنها أرضية سفلية).
وقوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾.
أي: لو كان في السماء، والأرض آلهة غير الله معبودون لفسدتا، تنّزه الله سبحانه عن أن يكون له شريك أو ولد، وتقدّس عما يفتري الظالمون والأفاكون عُلوّا كبيرًا.
وفي التنزيل:
﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون: ٩١].
أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله - ﷺ -. [يا أبا المنذر، أي آية في كتاب الله أعظم؟ - قلت: الله ورسوله أعلم، فرددها مرارًا ثم قال أبي: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ - فضرب صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر، والذي نفسي بيده أن لهذه الآية لسانًا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش] (١).
وقوله تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾.
قال ابن جريج: (المعنى لا يسأله الخلق عن قضائه في خلقه، وهو يسأل الخلق عن

(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٥/ ١٤١ - ١٤٢) من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه مرفوعًا، وانظر صحيح مسلم (٢/ ١٩٩) نحوه.


الصفحة التالية
Icon