وقوله: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾.
قال قتادة: (خوفًا من عذاب الله، وطمعًا في رحمة الله، ومما رزقناهم ينفقون في طاعة الله، وفي سبيله).
أخرج أحمد وأبو داود بسند حسن عن مُرّة الهَمدانيِّ، عن ابن مسعود، عن النبي - ﷺ - قال: [عَجِبَ رَبُّنا من رَجُلين: رجلٍ ثار من وِطائِه ولِحافهِ، من بينِ حِبِّهِ وأهله إلى صلاته، فيقول ربُّنا: أيَا ملائكتي، انظروا إلى عبدي، ثارَ من فِراشِهِ ووطائهِ، ومن بينِ حِبِّهِ وأهلِه إلى صلاتهِ رغبةً فيما عندي، وشفَقَةً مما عندي. ورَجُلٌ غزا في سبيل الله - عزَّ وجل - فانهزموا، فعلم ما عليه من الفِرار، وما له في الرجوعِ، فرجَعَ حتى أُهريقَ دمُهُ، رغبةً فيما عندي، وشفقة مما عندي، فيقول الله عز وجل للملائكةِ: انظروا إلى عبدي رجعَ رغبةً فيما عندي ورهبةً مما عندي حتى أُهريقَ دَمُه] (١).
وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
أي: فلا تدري نفس ما أخفى اللهُ لهؤلاء - أهل السجود والتسبيح والقيام والإيمان - مما تقرّ بهِ أعينهم في جناتِ النعيم، ثوابًا لهم من الله على أعمالهم التي كانوا في الدنيا يعملون.
وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق ذلكَ في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الشيخان والترمذي عن أبي هريرة يبلغ به النبي - ﷺ - قال: [قال اللهُ تعالى: أَعْدَدْت لعبادي الصالحين، ما لا عينٌ رأَتْ ولا أذُن سَمِعَتْ ولا خَطَرَ عَلى قَلْب بَشَرٍ، وتصديق ذلكَ في كتاب الله: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾] (٢). وفي رواية: [قال أبو هريرة: فاقرؤوا إن شئتم: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾].
وفي رواية للبخاري: [يقول الله تعالى: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت،
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٧٧٩)، ومسلم (٢٨٢٤)، والترمذي (٣١٩٧)، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (٣٦٩).