قلت: وللآية سبب نزول آخر، ولعلهُ قد نزلت بهما جميعًا.
فقد أخرج البخاري والنسائي وأحمد عن عائشة رضي اللهُ عنها قالت: [أتت سهلةُ بنت سهيل بن عمرو - وكانت تحتَ أبي حذيفة بن عتبة - رسول الله - ﷺ -، فقالت: إن سالمًا يدخلُ علينا وأنا فُضل، وأنا كنا نراهُ ولدًا وكان أبو حذيفة تبناه كما تبنى رسول الله - ﷺ - زيدًا، فأنزل اللهُ: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾]. وقولها: "وأنا فُضل" وفي لفظ عند أبي داود: "ويراني فُضلًا" أي مبتذلة في ثياب المهنةِ والبيت.
ورواه مسلم عن ابن أبي مُلَيْكَةَ، عن القاسم، عن عائشة: [أنَّ سالمًا مولى أبي حُذيفةَ كانَ مع أبي حذيفة وأهلهِ في بيتهم. فأتَتْ يعني بنتَ سُهَيْل، النبي - ﷺ -. فقالت: إن سالمًا قد بلغَ ما يَبْلُغُ الرجال، وعَقَلَ ما عَقَلُوا، وإنه يَدْخُلُ علينا، وإني أظُنُّ أن في نَفسِ أبي حُذيفة مِنْ ذلكَ شيئًا. فقال لها النبي - ﷺ -: أرضعيه تَحْرُمي عليه، ويَذْهَبُ الذي في نفس أبي حذيفة. (وفي رواية: قالت: وكيفَ أُرضِعُهُ؟ وهو رجلٌ كبير، فتبسَّمَ رسول الله - ﷺ - وقال: قد علمتُ أنه رجلٌ كبير). (وفي رواية: فقالت إنه ذو لحية. فقال: أرضعيه يذهَبُ ما في وجهِ أبي حذيفة). فرجعتْ إليهِ فقالت: إني قد أرضَعْتُهُ، فذهبَ الذي في نفس أبي حذيفة] (١).
فسالم بن عبيد بن ربيعة قد تبناه أبو حذيفة على عادة العرب، ونشأ في حجر أبي حذيفة وزوجته، نشأة الابن، فلما نزل قوله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ بطل حكم التبني فشق عليهما أن يمنعاه الدخول لسابق الألفةِ فسألته سهلة كما سبق.
وقد فصّل أبو داود في السنن في ذلكَ، فروى عن عائشة زوج النبي - ﷺ -، وأم سلمة: [أنَّ أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، كان تَبَنَّى سالمًا، وأنكحهُ ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار. كما تبنّى رسول الله - ﷺ - زيدًا - وكان من تَبَنَّى رجلًا في الجاهليةِ دعاه الناس إليه وَوُرِّثَ ميراثه - حتى أنزل اللهُ سبحانه وتعالى في ذلكَ: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ إلى قوله: ﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾ فرُدُّوا إلى آبائهم، فمن لم يُعْلم له أب، كان مولىً، وأخًا في الدين. فجاءت سهلةُ بنت سهيل بن عمرو القرشي، ثم العامري، وهي امرأة أبي حذيفة. فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالمًا ولدًا، وكان يأوي معي، ومع أبي حذيفة في