بيت واحد، ويراني فُضُلًا، وقد أنزل اللهُ عزَّ وجل فيهم ما قد علمت، فكيفَ ترى فيه؟ فقال لها النبي - ﷺ -: "أرضعيه". فأرضعتهُ خمس رضعات، فكان بمنزلةِ ولدها من الرضاعة. فبذلكَ كانت عائشة تأمر بنات أخواتها، وبنات إخوتها: أَنْ يُرضِعْنَ مَن أحبت عائشة أَنْ يراها ويدخل عليها، وإن كان كبيرًا، خَمْسَ رضعاتٍ ثم يدخل عليها. وأبت أمُّ سلمة، وسائر أزواج النبي - ﷺ -: أن يدخلن عليهن بتلكَ الرضاعة أحدًا من الناس، حتى يرضع في المهد، وقلْنَ لعائشة: والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي لسالم دون الناس] (١).
قلت: والصحيح أنها حادثة عين يمكن تكرّرها بأشباهها في كل زمان، وقد وجدت أيام التخصص في الولايات المتحدة الأمريكية مثل هذه الأحوال، حيث يكثر التبنّي هناك في العائلات المحافظة بتعاون بينهم وبين الكنيسة لحل مشكلة الأولاد اللقطاء الذين يفرزهم فاسد العلاقات في تلك المجتمعات، فيحصل أحيانًا أن يسلم الرجل وزوجته ويتبعهما الطفل الذي نشأ في حجرهما - وقد يكونا قد تعلقا به إذ لا ولد لهما - فيكون حل مشكلةِ دخوله عند كبره في إرضاعه وهو كبير.
وقوله: ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾.
أَمْرٌ بردِّ أنساب الأدعياء إلى آبائهم، فإن لم يَعْرِفوا آباءهم فهم إخوانكم في الدين إن كانوا من أهل مِلّتكم ومواليكم إن كانوا محرَّريكم وليسوا ببنيكم.
فعن قتادة: (﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي أعدل عند الله ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾ فإن لم تعلموا من أبوه فإنما هو أخوك ومولاك).
قال النسفي: (﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾ أي فهم إخوانكم في الدين وأولياؤكم في الدين، فقولوا هذا أخي وهذا مولاي، ويا أخي ويا مولاي، يريد الأخوة في الدين والولاية فيه).
والمقصود: إنهاء حكم التبني الذي كان في الجاهليةِ وفي أول الإسلام، والاستعاضة بالأخوة في الدين والولاية فيه عما فات من النسب لمن لم يُعرف أبوه. وقد تزوج النبي - ﷺ - بزينب بنت جحش مطلقة متبنّاه زيد بن حارثة بعد هذا الحكم كما قال

(١) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن (٢٠٦١)، كتاب النكاح، باب فيمن حرم به. وانظر صحيح سنن أبي داود (١٨١٥)، وأصله في الصحيحين.


الصفحة التالية
Icon