فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (١١)}.
في هذه الآيات: امتنانُ الله تعالى على عبادهِ يوم الأحزاب تسخيره الرياح والجنود لنصرهم، وقد جاءهم الكفار من فوقهم ومن أسفل منهم، وصعب الموقف على المؤمنين وكاد يزلزلهم.
فلقد كان لسياسة المباغتة العسكرية التي قام بها النبي - ﷺ - في أرجاء شبه الجزيرة العربية أقوى الأثر فى بسط النفوذ في الصحراء، أضف إلى ذلك كسر رأس قريش بتحديها للقدوم إلى بدر الموعد، أضف إلى ذلكَ محاصرة اقتصاد مكة بتهديد طرق تجارتها، أضف إلى ذلك إذلال المسلمين ليهود بني قينقاع وبني النضير وإجلائهم، وشعور بني قريظة بالذل والصغار من بعدهم، كل ذلكَ قد هيأ الظروف لتحالف وثني يهودي لقتال النبي - ﷺ -.
وقد ذهب - بالفعل - نفر مِنْ قادة يهود إلى قريش، يغرونهم بالمدد ودعايات الكذب، وأن دين قريش خير مما جاء به محمد، ويستنفرونهم للتحرك جميعًا للقضاء على محمد ودينه، وأن ذلكَ أرضى لله. يروي ابن إسحاق بإسناد رجاله ثقات من حديث عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن كعب وغيرهم قالوا: (إنه كان من حديث الخندق أن نفرًا من اليهود، منهم سلاّم بن أبي الحُقيق النضري، وحُيَيّ بن أخطب النّضري، وكنانة بن أبي الحقيق النضري، وهَوذة بن قيس الوائلي، وأبو عَمَّار الوائلي، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل، وهم الذين حَزَّبوا الأحزاب على رسول الله - ﷺ -، خرجوا حتى قدموا على قريش مكةَ، فدعوهم إلى حرب رسول الله - ﷺ -، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نَخْتَلِفُ فيهِ نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه. فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (٥١) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٥١ - ٥٢]... إلى قوله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ -أي النبوة- {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ