سَعِيرًا}. فلما قالوا ذلكَ لقريش، سرّهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله - ﷺ -. فاجتمعوا لذلكَ واتعدوا له، ثم خرج أولئكَ النفر من يهودَ، حتى جاؤوا غطفان، من قيس عيلان، فدعوهم إلى حرب رسول الله - ﷺ -، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليهِ، وأن قريشًا قد تابعوهم على ذلك، فاجتمعوا معهم فيه) (١).
وقد وعد وفد اليهود غطفان نصف ثمر خيبر إن هم شاركوا في هذا التحالف - كما ذكر موسى بن عقبة - تحريضًا منهم لغطفان لخوض معركة فاصلة ضد النبي صلى الله عليه وسلم، واستعادة الكبرياء في الأرض والسيطرة على طرق التجارة من جديد.
وهكذا نجح أبناء القردة والخنازير من يهود بتأليب القبائل والأعراب وأحزاب الكفر على النبي - ﷺ -، لتخرج هذه الجموع من الأحزاب لملاقاة المسلمين في شوال من السنة الخامسة للهجرة.
قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان في قول الله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾. قال: (والجنود قريش وغطفان وبنو قريظة، وكانت الجنود التي أرسل اللهُ عليهم مع الريح: الملائكة).
وقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: وكان اللهُ بأعمالكم يومئذ، وذلكَ صبرهم على ما كانوا فيهِ من الجَهْدِ والشّدةِ، وثباتهم لعدوهم، وغير ذلكَ من أعمالهم، بصيرًا لا يخفى عليهِ من ذلكَ شيء، يُحصيهِ عليهم، ليجزيهم عليه).
لقد خرج من الجنوب جيشُ قريش وكنانة وحلفاؤهم من أهل تهامة، يقودهم أبو سفيان بن حرب في أربعة آلاف مقاتل، ووافاهم بنو سليم بمر الظهران، في حين خرجت قبائل غطفان من الشرق وهم: بنو فزارة يقودهم عيينة بن حصن، وبنو مرة يقودهم الحارث بن عوف، وبنو أشجع يقودهم معسر بن رخيلة، كما خرجت بنو أسد وقبائل أخرى. واتجهت هذه الأحزاب جميعًا نحو المدينة، لتلتقي قريبًا منها على ميعاد قد اتفقت عليه، ليجتمع بعد أيام حول المدينة جيش مترامي الأطراف قوامُه عشرة آلاف مقاتل، ربما يزيدُ على عدد سكان المدينة بنسائها وصبيانها وشبابها وشيوخها.
إلا أن قيادة المدينة كانت متيقظة حذرة، فقد نقلت استخبارات النبي - ﷺ - إليهِ خبر