تجمع الأحزاب خبرًا بعد خبر حتى مستقرها الأخير. فهرعَ النبي - ﷺ - لعقد مجلس استشاري عسكري أعلى، تبادل فيهِ الرأي مع قيادة المهاجرين والأنصار حول خطة الدفاع عن المدينة لمواجهة هذا الزحف الوثني اليهودي السافر. وقد أفرز هذا المجلس السريع عن تألق فكر الصحابي النبيل سلمان الفارسي رضي اللهُ عَنْهُ الذي قدّمَ خطة عالية الدقة للقائد الأعلى عليه الصلاة والسلام، إذ قال: (يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا).
وقد كانت خطة فريدة حكيمة لم تسمع بها العرب من قبل، فهرع الأصحاب للتنفيذ - بأمر نبيهم - ﷺ -.
يروي البخاري في صحيحه عن أنس قال: [جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينةِ، وينقلون التراب على متونهم وهم يقولون:
نحن الذين بايعوا محمدًا | على الإسلام ما بقينا أبدا |
اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرهْ | فبارك في الأنصار والمهاجرهْ |
لقد طغت حرارة الإيمان على البرد والجوع القارصين، وعلى شدة التعب ومشقة الحفر، فتناسوا الآلام في سبيل هذا الدين، فيالذة النظر إليهم وهم يحفرون بقوة وينقلون التراب على أكتافهم وظهورهم، وفيهم من كان لا يخدم نفسه عادة - من التجارة والزعماء - لتوفر الخدم والعبيد والإماء، ويا طرب الأسماع لو أصغت إلى أهازيجهم وهي تدور بينهم وبين نبيهم.
ولما وصل المشركون أخذوا يحاولون اقتحام الخندق الذي فوجئوا بهِ ولكن دون جدوى، فلقد أمطرهم المسلمون ورشقوهم بالنبل.
واشتد الخطب على المسلمين، وزادت آلام الحصار والانتظار، فقد سُعِرَ عشرة
(١) الإهالة: هي الدهن من الشحم أو السمن أو الزيت يؤتدم به.
(٢) سنخة: أي متغيرة الرائحة والطعم.
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤١٠٠)، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب.
(٢) سنخة: أي متغيرة الرائحة والطعم.
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤١٠٠)، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب.