وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا﴾.
أي: إنما أراد هؤلاء المنافقون الفرار من المعركة مستهينين بعقد الإيمان الذي يلزمهم بالثبات وعدم الفرار يوم الزحف، وبمعاهدة الله من قبل أن لا يولوا عدوّهم الأدبار فما أوفوا بعهدهم، واللهُ سيسألهم سبحانه عن نقضهم عهده.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
أي: فأخبر الله نبيّهُ ليقول لهم: إنّ الموت أو القتل الذي تفرون منه لا يزيد في أعماركم وآجالكم، وإنما تمتعون في هذه الدنيا إلى الوقت الذي كتب لكم.
قال قتادة: (وإنما الدنيا كلها قليل). وقال ربيع بن خيثم: (قوله: ﴿وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ قال: إلى آجالهم).
وقوله: ﴿قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء الذين يستأذنونك ويقولون: إن بيوتنا عورة هربًا من القتل. من ذا الذي يمنعكم من الله إن هو أراد بكم سوءًا في أنفسكم، من قتل أو بلاء أو غير ذلك، أو عافية وسلامة؟ وهل ما يكون بكم في أنفسكم من سوءٍ أو رحمةٍ إلا من قِبَله؟ ).
وقوله تعالى: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
أي: إن الله يعلم يا محمد أولئك الذين يعوقون الناس عن الجهاد معك وتحدي الأعداء في ساحة القتال، فيخذلون الناس لينصرفوا عنكَ يقولون لهم: إنا نخاف عليكم الهلاك بهلوكه.
قال قتادة: (هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يقولون لإخوانهم: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحمًا لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه، دعوا هذا الرجل فإنه هالك).
ففضحهم الله تعالى في التنزيل فقال: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾. قال قتادة: (﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾ في