وضع الله الحرب بين المؤمنين وقريش، ولم يغز المشركون بعدها المسلمين، بل غزاهم المسلمون في بلادهم. فقد سارَ إليهم عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة بعشرة آلاف مقاتل حتى أذل طغاتهم وكسر شوكة كبرائهم وزعمائهم، ومحا أسطورةَ غطرستهم في جزيرة العرب. وهكذا انتقل مسرح الأحداث والمعارك بعد غزوة الخندق بعيدًا عَنْ أرض المدينة إلى مكة والطائف وتبوك، فخرج النبي - ﷺ - من حصار الخندق يهلّل الله العظيم الذي أذل الكافرين، ونصر المؤمنين.
يروي البخاري في صحيحه عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عَنْهُ، أن رسول الله - ﷺ - كانَ يقول: [لا إله إلا الله وحده، أعزَّ جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده] (١).
وقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾. قال قتادة: (قويًا في أمره، عزيزًا في نقمته).
وقو: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾. أي: وأنزل بني قريظة الذين ظاهروا أبا سفيان وراسلوه، ونكثوا العهد الذي بينهم وبين النبي - ﷺ - ﴿مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ - أي من حصونهم.
فعن مجاهد: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ قال: قريظة، يقول: أنَّزلهم من صياصيهم، قال: قصورهم). وقال قتادة: (أي من حصونهم وآطامهم). وقال ابن زيد: (الصياصي حصونهم التي ظنوا أنَّها مانعتهم من الله تبارك وتعالى). وأصل الصياصي: جمع صيصة، وعني بها هاهنا: حصونهم، والعرب تقول لطرف الجبل: صيصة. ويقال لأصل الشيء وأعلاه: صيصة. ومنه سميت
صياصي البقر، وهي قرونها؛ لأنَّها أعلى شيء فيها.
أخرج الإمام أحمد في إلمسند بسند صحيح عن عائشة رضي اللهُ عَنها قالت: [لما رجع رسول الله - ﷺ - من الخندق ووضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل عليه السلام وعلى رأسهِ الغبار. قال: قد وضعت السلاح؟ فواللهِ ما وضعتُها. اخرج إليهم. قال رسول الله - ﷺ -: فأين؟ قال: هاهنا، فأشار إلى بني قريظة، فخرجَ رسول الله - ﷺ - إليهم] (٢).
وفي رواية: [أن رسول الله - ﷺ - لما فرغ من الأحزاب دخل المغتسل ليغتسل، فجاء

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤١١٤)، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب.
(٢) حديث صحيح. انظر مسند أحمد (٦/ ٥٦)، (٦/ ١٣١)، (٦/ ٢٨٠) للروايات المختلفة.


الصفحة التالية
Icon