يروي البخاري في كتاب المظالم والغصب، وفي كتاب النكاح، وفي كتاب التفسير من صحيحه - وبنحوه روى الإمام مسلم - عن عبد الله بن عباس رضي اللهُ عَنْهُما قال: [لم أزل حريصًا على أن أسأل عُمَرَ رضي اللهُ عَنْهُ عن المرأتين من أزواج النبي - ﷺ - اللَّتين قال اللهُ لهما: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ فحججت معه (وفي رواية: حتى حجّ وحججتُ معهُ) فعدل (١) وعدلت معهُ بالإداوة فتبرَّزَ حتى جاء فسكبتُ على يديهِ من الإداوة، فتوضأَ فقلتُ لهُ: يا أمير المؤمنين مَنْ المرأتان من أزواجِ النبي - ﷺ - اللتان قال اللهُ عز وجلَّ لهما: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ فقال: واعجبي لك يا ابن عباس عائشة وحَفْصَةُ، ثم استقبل عُمَرُ الحديث يَسوقُه، فقال: إني كنتُ وجارٌ لي من الأنصار في بني أميةَ بن زَيْدٍ وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على النبي - ﷺ - فينزل يومًا وأَنْزِلُ يومًا، فإذا نزلتُ جِئْتُهُ من خبر ذلكَ اليومِ من الأمر وغيرهِ (وفي رواية: من الوحي أو غيره)، وإذا نزل فعلَ مِثلَهُ، وكنا معشرَ قريش نَغْلِبُ النساءَ، فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قومٌ تغلبهم نساؤهم، فطَفِقَ نساؤنا يأخذن مِنْ أدب نساء الأنصار، فَصِحْتُ على امرأتي فراجعتني فإنكرْتُ أن تُراجِعَني، فقالت: ولم تُنكرُ أن أراجِعَكَ فواللهِ إِن أزواجَ النبي - ﷺ - ليُراجِعْنَهُ، وإن إحداهُنَّ لَتَهْجُرُهُ اليومَ حتى الليل، (وفي رواية: فقالت لي: عجبًا لك يا ابن الخطاب! ما تريدُ أَنْ تُراجَعَ أَنْتَ وإِن ابنتكَ لتراجع رسول الله - ﷺ - حتى يظلَ يومَهُ غضبانَ) فأفزعني، فقلتُ: خابت من فَعَلَتْ مِنْهُنَّ بعظيم، ثم جمعت عليَّ ثيابي فدخلتُ على حفصةَ، فقلت: أي حَفْصَةُ أتُغَاضِبُ إحداكُنَّ رسول الله - ﷺ - اليوم حتى الليل، فقالت: نَعَم، فقُلْتُ: خابت وخَسِرَتْ، أفتَأمَنُ أَنْ يغضبَ الله لغضب رسوله - ﷺ - فتهلِكينَ، لا تستكثري على رسول الله - ﷺ - ولا تراجعي! في شيء ولا تَهْجُري! واسأليني ما بدا لكِ، ولا يَغُرَّنَكِ أن كانت جارَتُكِ هي أَوْضأَ منكِ وأحبَّ إلى رسول الله - ﷺ - يريد عائشة. (وفي رواية: يا بنية لا يغرنكِ هذه التي أعجبها حُسْنُها حُبُّ رسول الله - ﷺ - إياها. يريد عائشة. قال: ثم خرجت حتى دخلتُ على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتُها، فقالت أم سلمة: عجبًا لك يا ابن الخطاب دَخَلْتَ في كل شيء حتى تبتغِي أَنْ تدخلَ بينَ رسول الله - ﷺ - وأزواجهِ، فأخذتني واللهِ أخذًا كسرتني عن بعض ما كنتُ أجدُ فخرجتُ من عندها).
وكنا تحدّثنا أن غسَّان تُنْعِلُ النِّعالَ لغزونا، فنزل صاحبي يومَ نَوْبَتِهِ فرجعَ عِشَاءً فضرب بابي ضربًا شديدًا وقال: أنائمٌ هُوَ؟ (وفي رواية: أَثمَّ هوَ) ففزعتُ فخرجْتُ إليه

(١) أي ترك جادة الطريق لقضاء حاجة.


الصفحة التالية
Icon