ودعون له، فلما رجع إلى بيتهِ إذا رجلان جرى بهما الحديث فذهب ليتأخر، حتى تداركا أمرهما وأسرعا بالخروج فأرخى الستر وأنزل الله آية الحجاب.
ففي صحيح الإمام البخاري عن أنس قال: [أَوْلَمَ رسول الله - ﷺ - حين بنى بزينب ابنة جحش فأشبع الناس خبزًا ولحمًا، ثم خرج إلى حجر أمهات المؤمنين كما كان يصنع صبيحة بنائه فيسلم عليهن ويدعو لهن، ويسلمن عليه، ويدعون له، فلما رجع إلى بيتهِ رأى رجلين جرى بهما الحديث، فلما رآهما رجع عن بيتهِ، فلما رأى الرجلان رسول الله - ﷺ - رجع عن بيتهِ وثبا مسرعين، فما أدري أنا أخبرته بخروجهما أم أُخْبِر، فرجع حتى دخل البيت وأرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب] (١).
وقوله: ﴿لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا﴾.
قال قتادة: (يقول: إذا طلقوهُن، وكان رسول الله - ﷺ - تبنّى زيد بن حارثة).
قال ابن جرير: (﴿لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ﴾ يعني: في نكاحِ نساء من تَبَنَوا وليسوا بِبَنيهم ولا أولادهم على صحة إذا هم طلقوهنّ وبنّ منهم ﴿إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا﴾ يقول: إذا قضوا منهنّ حاجاتهم وآرابهم وفارقوهنّ وحَلَلْنَ لغيرهم، ولم يكن ذلكَ نزولًا منهم لهم عنهنّ).
وقوله: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾. أي: وكان قضاء الله مقضيًا لا محالة.
والمقصود: قضاء الله تعالى في أن تصير زينب زوجة للنبي - ﷺ -، وإبطال مفهوم الجاهلية المتعلق بذلك.
وقوله: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾. قال قتادة: (أي أحل الله له).
والمقصود: ما كان على النبي من حرج - من إثم - فيما أحل الله له من نكاحِ امرأة متبناه بعد تطليقه لها ومفارقته إياها.
وقوله: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا﴾. قال ابن كثير: (أي: هذا حكمُ الله في الأنبياء قبله، لم يكن ليأمُرَهم بشيء وعليهم في ذلكَ حَرَجٌ، وهذا رَدٌّ على من تَوَهَّمَ من المنافقين نقصًا في تَزْويجه امرأة زيد مولاه ودَعِيِّه الذي كان قد تبنَّاه).
وقوله: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا﴾. قال النسفي: (قضاء مقضيًا، وحكمًا مبتوتًا).

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٧٩١)، وأخرجه مسلم (١٤٢٨)، وسيأتي تفصيل ذلكَ إن شاء الله عند بلوغ آية الحجاب في هذه السورة.


الصفحة التالية
Icon