وفي مسند أحمد بسند صحيح عن أنس قال: [مَرَّ النبي - ﷺ - في نفر من أصحابهِ، وصَبيٌّ في الطريق، فلما رأت أمُّهُ القومَ خشيت على ولدها أن يُوطَأَ، فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني! وسَعَتْ فأخذته، فقال القوم: يا رسول الله، ما كانت هذه لِتُلقي ابنَها في النار. قال: فخفَّضَهُم النبي - ﷺ - فقال: لا، واللهِ ما يلقي حبيبه في النار] (١).
ورواه الحاكم بلفظ: [والله، لا يلقي الله حبيبه في النار].
وقوله: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾.
قال قتادة: (تحية أهل الجنة السلام). قال ابن جرير: (يقول جل ثناؤه: تحية هؤلاء المؤمنين يوم القيامة في الجَنَّة سلام، يقول بعضهم لبعض: أمنة لنا ولكم بدخولنا هذا المدخل من الله أن يعذبنا بالنار أبدًا).
وظاهر الآية يحتمل - كما ذكر الحافظ ابن كثير - أن تكون تحيتهم من الله تعالى يوم يلقونه ﴿سَلَامٌ﴾. أي: يوم يُسَلِّمُ عليهم، كما قال تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨)﴾ [يس: ٥٨].
وقوله: ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾. يعني في جناتِ النعيم، من ألوانِ الطعام والشراب واللباس والملاذّ والمناكح والمناظر وما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر.
٤٥ - ٤٨. قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (٤٧) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (٤٨)﴾.
في هذه الآياتِ: تأكيدُ الله تعالى لنبيّه - ﷺ - تكليفه بالبشارة والنذارة والشهادة على الأمم والدعوة إلى منهاج النبوة وبثّ البشرى للمؤمنين بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا. وأمُره تعالى بعدم الإصغاء لقول الكافرين والمنافقين ومكرهم والتوكل على الله وكفى به تعالى وكيلًا.