مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩)}.
في هذه الآياتِ: لقد قال المشركون من قريش والكفار بالله ورسوله متعجبين بالبعث بعد الموت هل ندلكم أيها الناس على من يخبركم أنكم عائدون بعد تقطعكم في الأرض كهيئتكم قبل الممات؟ لا بد أنه إما أن يكذب وإما أن يكون مجنونًا. كلا يا محمد ليس الأمر كذلك، بل إن أولئك المشركين قد أبعدوا الذهاب عن طريق الحق، فهم قادمون على عذاب الآخرة، وكان أولى بهم أن ينظروا عن أيمانهم وشمائلهم كيف السماء قد أحاطت بهم ولو شئنا لأسقطنا قطعًا منها كما فعلنا بمن أسرف قبلهم، أو لخسفنا بهم الأرض وزلزلناها من تحتهم كما خسفنا بمن كذب الرسل قبلهم، ففي إحاطة السماء بهم من غير عمد وبثبات الأرض من حولهم لدلالة لكل من أناب لله وأقرّ له بالوحدانية والطاعة والإخبات أن فاعل ذلك لا يمتنع عليه فعل شيء أراد فعله.
فعن قتادة: (﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ قال: ذلك مشركو قريش والمشركون من الناس. ﴿يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ إذا أكلتكم الأرض وصرتم رفاتًا وعظامًا وقطعتكم السباع والطير ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ ستحيون وتبعثون. قال قالوا تكذيبًا. ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ قال: قالوا إما أن يكون يكذب على الله ﴿أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ وإما أن يكون مجنونًا).
وقال ابن زيد: (قال الله: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ وأمره أن يحلف لهم ليعتبروا وقرأ: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [التغابن: ٧] وقرأ: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾).
وفتحت الألف في قوله "أَفترى" لأنَّها ألف استفهام، وأما الألف التي بعدها (ألف افتعل أي ألف افترى) فذهبت لأنَّها خفيفة زائدة تسقط باتصال الكلام بها، ومثلها في القرآن قوله: ﴿بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ﴾ [ص: ٧٥]، وقوله: ﴿أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ﴾ [الصافات: ١٥٣]، وقوله: ﴿أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦].
قال شيخ المفسرين: (وأما ألف آلآن وآلذّكرين فطولت هذه ولم تطول تلك لأن