بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (١٣)}.
في هذه الآياتِ: يخبر جل ثناؤه عن أثر الطاعة وما يتذلل لأجلها من تسخير للخيرات وأسباب التمكين والقوة، فقد جمع سبحانه لعبده ونبيه داود عليه السلام بين النبوة والملك والتمكن والجنود ذوي العَدد والعُدد، وبارك له بصوت جميل كان إذا سَبَّحَ شاركته الجبال الشامخات والطيور السارحات وجاوبته بأنواع اللغات. ثم أخبر سبحانه أنه سخر له الحديد وأسباب القوة فيسويها بيده ويصنع منها الدروع ويقدر المسامير في الحلق ليثقب الدروع فينتفع بها في البيع والتجارة، فكان يأكل بذلك من عمل يده من صنعة فتحها الله عليه فوسع له في معيشته فلا يحتاج لأحد، ويتصدق على الفقراء والمساكين وينفق في مصالح المسلمين، وكذلك سخر لسليمان الريح يتحرك بمركبه فيها يرهب أعداء الله يفاجئهم بقدوم سريع، فدانت له الأرض وهو يحكم بالعدل وسلطان الحق وهيبته، كما سخّر له كذلك سبحانه جنودًا من الجن لا يغادرون أمره، فأنشؤوا له البنيان والقصور والمساجد والمساكن ونحتوا له الأحواض التي يُجبى فيها الماء، وقدور الطعام التي تكفي الجيوش، فاعملوا بطاعة الله مزيدًا يا آل داود، فإن شكر الله عليها يقتضي دوامها.
فعن ابن عباس: (﴿أَوِّبِي مَعَهُ﴾ قال: سبحي معه). والتأويب في كلام العرب الرجوع أو الترجيع.
وفي نصب ﴿وَالطَّيْرَ﴾ وجهان عند أهل العلم بالعربية: الوجه الأول: أنَّ الطير نوديت كما نوديت الجبال، فتكون منصوبة من أجل أنَّها معطوفة على مرفوع لكن بما لا يحسن إعادة رافعه عليه. والوجه الثاني: أنَّ تكون منصوبة بفعل محذوف تقديره سخّرنا، فيكون المعنى: يا جبال أوبي معه وسخرنا له الطير.
وقال القاسمي: (﴿يَاجِبَالُ﴾ بدل من ﴿فَضْلًا﴾ أو من ﴿آتَيْنَا﴾).
وقوله: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾. قال قتادة: (سخر الله له الحديد بغير نار. وقال: كان يسويها بيده ولا يدخلها نارًا ولا يضربها بحديدة).


الصفحة التالية
Icon