وقوله: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾. وهي التوامّ الكوامل من الدروع. قال ابن زيد: (السابغات: دروع الحديد). وقال قتادة: (دروع، وكان أول من صنعَها داود، إنما كان قبل ذلك صفائح).
وقوله: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾. قال ابن عباس: (يعني بالسرد: ثقب الدروع، فيسد قتيرها). وقال ابن زيد: (السرد: حلقة، أي قدّر تلك الحلق). وقال قتادة: (كان يجعلها بغير نار، ولا يقرعها بحديد ثم يسردها. والسرد: المسامير التي في الحلق).
وقال: (كانت صفائح فأُمِرَ أن يسردها حلقًا).
قال شيخ المفسرين: (وعنى بقوله: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾: وقدِّر المسامير في حلق الدروع حتى يكون بمقدار لا تغلظ المسمار وتضيق الحلقة فتفصم الحلقة، ولا توسع الحلقة وتصغر المسامير وتدقها فتسلس في الحلقة).
وذكر قول مجاهد: (لا تصغر المسمار وتعظم الحلقة فتسلس، ولا تعظم المسمار وتصغر الحلقة فيفصم المسمار).
فهذه علوم وصناعة وحضارة يفتحها الله على أنبيائه وأوليائه لما كان هَمُّهم تعظيم أمره والحكم بشريعته وأن يعبد الله وحده في الأرض ولا يشرك به، لما كان همّهم ومطلبهم هو حراسة دين الله وسياسة الدنيا به، إذن: فليخضع الحديد لجلالة مرادهم، ولتمض الرياح لخدمة غرضهم، ولتشاركهم الطبيعة تسبيحهم وصلاتهم وقتالهم، ولتضع الملائكة أجنحتها رضًا لما أهمهم، ولتقرأ الأجيال المتعاقبة في القرآن الكريم أن طاعة الرحمان تورث العزّ والقوة والنعيم في الدنيا والآخرة.
فاعمل يا داود أنت وآلك بطاعة الله، إني بما تعملون ذو بصر لا يخفى على منه شيء، وأنا مجازيك وإياهم على جميع ذلك.
وقوله: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾.
قال قتادة: (تغدو مسيرة شهر، وتروح مسيرة شهر. قال: مسيرة شهرين في يوم).
فسخّرها له سبحانه غدوها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر، ورواحها من انتصاف النهار إلى الليل مسيرة شهر، وأكثر القراء بنصب الريح، والمعنى: ولقد آتينا داود منا فضلًا وسخرنا لسليمان الريح. وقرأ عاصم: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحُ﴾ بالرفع على الابتداء، والأول عليه الإجماع.