الله تعالى على عبدٍ نعمة فقال: الحمد لله، إلا كان الذي أعطى أفضلَ مما أخذ] (١).
وقوله: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾. قال ابن عباس: (يقول: قليل من عبادي الموحِّدون توحيدهم).
فهذا النعيم والملك والشوكة في الأرض يدجج الله بها أنبياءه لتحمي الحق، ولتهدد المفسد ولتبين جمالَ سلطان العدل وهيبته في الحكم، أنعم الله بها على آل داود واختص سليمان برهبة وجند. وقيل: كان مستقر سليمان بمدينة تدمر، وكان أمر الشياطين قبل شخوصه من الشام إلى العراق، فبنوها له بالصُّفاح - وهي حجارة عريضة رقيقة - والعَمَد والرخام الأبيض والأصفر، قاله ابن زيد. وفيه يقول النابغة:

إلا سليمانَ إذ قال الإله له قُمْ في البريّة فاحْدُدْها (٢) عن الفَنَد
وخَيِّسِ (٣) الجن إني قد أذنت لهم يبنون تَدْمُرَ بالصُّفاحِ والعمد
فمن أطاعك فانفعه بطاعته كما أطاعك وادْلُلْه على الرشد
ومن عصاك فعاقِبْهُ معاقبة تنهى الظلوم ولا تقْعُدْ على ضمد (٤)
قال القرطبي رحمه الله: ووجدت هذه الأبيات منقورة في صخرة بأرض يَشْكُر أنشأهن بعض أصحاب سليمان عليه الصلاة والسلام:
ونحن ولا حول سوى حول ربنا نروح إلى الأوطان من أرض تَدْمُرِ
إذا نحن رُحْنا كان رَيْثُ رواحِنا مسيرةَ شهرٍ والغدُوّ لآخَرِ
أُناسٌ شَرَوا لله طوعًا نفوسَهم بنصر ابن داودَ النبي المطهَّرِ
لهم في معالي الدين فضل ورفعة وإن نُسبوا يومًا فمن خير معشَرِ
متى يركبوا الريح المطيعة أسرعَتْ مبادرةً عن شَهرْها لم تُقَصِّر
تظلهمُ طيرٌ صفوف عليهم متى رَفرفت من فوقهم لم تُنَفَّرِ
١٤. قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ
(١) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن (٣٨٠٥) - كتاب الأدب - باب فضل الحامدين. وانظر صحيح سنن ابن ماجة - حديث رقم - (٣٠٦٧). وصحيح الجامع (٥٤٣٩)، والمرجع السابق في بحث: أنواع شكر الناس.
(٢) الحد: المنع. والفند: الخطأ. أي امنعها عن التجاوز والخطأ والعصيان.
(٣) خيِّس: ذلّل. أي استعملهم كما شئت جنودًا يعملون لك تحت أمرك.
(٤) الضمد: الحقد.


الصفحة التالية
Icon