تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (١٤)}.
في هذه الآية: يخبر الله جَلَّ ذكره عن قصة موت سليمان لتكون عبرة للجانّ الذين يَدَّعُون علم الغيب ولغيرهم من الإنس من أتباع الشياطين، من المنجمين والسحرة والكهان والعرافين، فقد عَمَّى الله موته على الجان المسخّرين له في الشاق من الأعمال والبنيان، فقد مكث متكئًا على منسأته - وهي عصاه - بعد فراق روحه لجسده مدة طويلة، قيل سنة من الزمان - إلى أن أكلت دابة الأرض - وهي الأرضة - عصاه، فضعُفَت وسقط إلى الأرض، فتبينوا أن موته كان قبل ذلك بأوان، وعلمت الجن والإنس أن من ظنّ علم الغيب من الجان كان كاذبًا وصاحب أوهام.
فعن ابن عباس: (قوله: ﴿إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ يقول: الأرضة تأكل عصاه).
وقال السدي: (المنسأة: العصا بلسان الحبشة). وقال قتادة: (أكلت عصاه حتى خرّ).
وقرأ عامة قراء المدينة "مِنْسَأته" على وزن "مِفعلة". وقرأها بعض قراء البصرة "مِنساتَه" غير مهموزة، وهي قراءة نافع وأبي عمرو، واختار ابن جرير الهمز، وإن كانتا قراءتين مشهورتين.
وقوله: ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾.
أي العذاب المذل. قال ابن جرير: (حولًا كاملًا بعد موت سليمان وهم يحسبون أن سليمان حيّ).
لقد قصّ الله علينا في هذه الآياتِ خبر نبيه سليمان عليه الصلاة والسلام، وما أنعم عليه بطاعته وشكره وتذليل أسباب القوة والتمكين له في الأرض، لحماية الحق وحراسة الدين، وإرهاب عدو الله والجهاد لتعلو كلمة الله، ويعلو منهاجه فوق كل منهج.
وقد أخبرنا نبينا - ﷺ - عن بعض طموحات أخيه سليمان في بلوغ المعالي وأسباب القوة.
ففي الصحيحين والمسند عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: [قال سليمانُ بن داودَ: لأطوفَنَّ الليلة على مئة امرأة كُلُّهُنَّ تأتي بفارس يُجاهد في سبيل