وهذا كما قال قتادة: (بينما شجر القوم خير الشجر إذ صيّره الله من شر الشجر بأعمالهم).
وقوله: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا﴾. التقدير: جزيناهم ذلك بما كفروا، فإن ﴿ذَلِكَ﴾ في محل نصب.
وقوله: ﴿وَهَلْ نُجَازِي﴾ كذلك قرأها قراء الكوفة. وأما قراء المدينة والبصرة فقرؤوها "يُجازى" وكلاهما قراءتان معروفتان.
والمجازاة هنا المكافأة، فالجزاء لأهل الإيمان مع التفضل الحسنة بعشر أمثالها، والمكافاة لأهل الكبائر والكفر والسيئة بمثلها، فلا يكافأ على عمله إلا الكفور، فلا يغفر الله له من ذنوبه، وأما المؤمن فيتفضل عليه.
فعن مجاهد: (﴿وَهَلْ نُجَازِي﴾ نعاقب).
وعن قتادة: (﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾، قال: إن الله تعالى إذا أراد بعبده كرامة تقبّل حسناته وإذا أراد بعبده هوانًا أمسك عليه ذنوبه حتى يوافى به يوم القيامة. قال: وذكر لنا أن رجلًا بينما هو في طريق من طرق المدينة إذ مرّت به امرأة فأتبعها بصره حتى أتى على حائط فشج وجهه فأتى نبى الله ووجهه يسيل دمًا، فقال: يا نبي الله فعلت كذا وكذا، فقال له نبي الله: إن الله إذا أراد بعبد كرامة عجّل له عقوبة ذنبه في الدنيا، وإذا أراد بعبد هوانًا أمسك عليه ذنبه حتى يوافيَ به يوم القيامة كأنه عَيْرٌ أبتر).
قلت: وهذا يصلح شاهدًا لما أخرج الترمذي بسند صحيح عن أنس مرفوعًا: [إذا أراد الله بعبده الخير عجّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يُوافى به يوم القيامة] (١).
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً﴾.
يذكر سبحانه أنهم كانوا في غبطة وأمن، وقرى متقاربة متواصلة كثيرة الشجر والثمار، فلا يحتاج المسافر حمل زاد ولا ماء، فكانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة مقدرة السير، أي ما يحتاج المسافرون فيها، فلما بطروا النعمة