قالوا ربنا باعد بين أسفارنا استهزاء وتكبرًا وحُبًّا للمغامرة التي بمعنى العلو في الأرض وظن السيطرة عليها لا بمعنى المعالي والتسابق في الخيرات، فعندها أبدلهم الله بها وقطعهم في الأرض فصاروا مثلًا بين الناس يقال: تفرقوا أيادي سبأ.
فعن مجاهد: (﴿الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ قال: الشام). وقال ابن عباس: (الأرض التي باركنا فيها هي الأرض المقدسة. وقوله: ﴿قُرًى ظَاهِرَةً﴾ قال: يعني قرى عربية، بين المدينة والشام). وقال مجاهد: (﴿قُرًى ظَاهِرَةً﴾: السَّرَوَات).
وقال ابن زيد: (إن كانت المرأة لتخرجُ معها مِغْزَلُها ومكتلُها على رأسها، تروح من قرية وتغدوها، وتبيت في قرية، لا تحمل زادًا ولا ماءً لما بينها وبين الشام).
وقال الحسن: (كان أحدهم يغدو فيقيل في قرية ويروح، فيأوي إلى قرية أخرى. قال: وكانت المرأة تضع زِنْبيلها على رأسها ثم تمتهن بمغزلها فلا تأتي بيتها حتى يمتلى من كل الثمار).
وقوله: ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْر﴾. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: وجعلنا بين قراهم والقرى التي باركنا فيها سيرًا مقدرًا من منزل إلى منزل، وقرية إلى قرية، لا ينزلون إلا في قرية، ولا يغدون إلا من قرية).
وقال القرطبي: (أي جعلنا بين كل قريتين نصف يوم حتى يكون المقيل في قرية والمبيت في قرية أخرى. وإنما يبالغ الإنسان في السير لعدم الزاد والماء ولخوف الطريق، فإذا وجد الزاد والأمن لم يحمل على نفسه المشقة ونزل أينما أراد).
وقوله: ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾.
قال قتادة: (لا يخافون ظلمًا ولا جوعًا، وإنما يغدون فيقيلون ويروحون فيبيتون في قرية أهلِ جنة ونهر).
وقوله: ﴿آمِنِينَ﴾ منصوب على الحال، أي: فكانوا يسيرون إلى مقاصدهم آمنين.
والأمن أمرٌ عظيم لا يعرف قدره إلا من حُرِمه، وقد أشار إليه عليه الصلاة والسلام وإلى قيمته، فيما رواه الترمذي وابن ماجة بسند حسن عن عبيد الله بن محصن، قال


الصفحة التالية
Icon