رسول الله - ﷺ -: [من أصبح منكم آمنًا في سِرْبِهِ، مُعَافىً في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها] (١).
ومع ذلك تكبر هؤلاء القوم فَفَرَّطُوا بالأمن وضيعوا النعم واستبدلوها بالنقم، لما أصابهم الغرور والعجب وهو أخطر ما يهدد العبد في رخائه، ولذلك حذّر النبي - ﷺ - من الوقوع به أشد التحذير.
فقد أخرج البيهقي بإسناد حسن عن أنس قال: قال رسول الله - ﷺ -: [لو لم تكونوا تُذنبون لخِفْتُ عليكم ما هو أكبَرُ من ذلك العُجْبَ العُجْبَ] (٢).
وقوله. ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾.
فيه قراءتان مشهورتان:
١ - قرأه عامة قراء المدينة والكوفة على وجه الدعاء ﴿رَبَّنَا بَاعِدْ﴾.
٢ - وقرأه بعض قراء مكة والبصرة بلفظ: "بعِّد" على وجه الدعاء أيضًا. وهناك قراءة بلفظ: "باعَدَ" أو "بَعَّدَ" على وجه الخبر لكن ذلك ليس بالقوي.
فتأويل الكلام هو كما اختار ابن جرير رحمه الله: (فقالوا: يا ربنا باعد بين أسفارنا فاجعل بينا وبين الشأم فَلَوات ومَفاوِزَ لنركب فيها الرواحل ونتزود معنا فيها الأزواد، وهذا من الدلالة على بطر القوم نعمةَ الله عليهم وإحسانه إليهم وجهلهم بمقدار العافية، ولقد عجل لهم ربهمٍ الإجابة كما عجل للقائلين: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾).
وقال ابن عباس: (فإنهم بطروا عيشهم وقالوا: لو كان جنى جناتنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيه، فَمُزِّقوا بين الشام وسبأ، وبذلوا بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل).
وخلاصة القول:
فبعد أن سرد سبحانه قصة تبديل جناتهم لما أعرضوا فَصَّلَ سبحانه في الآياتِ التالية
(٢) حديث صحيح. أخرجه اليهقي بسند حسن من حديث أنس. انظر صحيح الجامع (٥١٧٩)، وكتابي أصل الدين والإيمان (٢/ ١٢٠٢) لتفصيل البحث.