إياه. فالمعنى أن ما ظنه إبليس قد حصل لأنهم كانوا أطوعَ له، ونزلوا عند أمره مخالفين أمر الله إلا قلة من المؤمنين، أما أولئك الذين بدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل عقوبة لهم، فظن إبليس أنهم سيطيعونه فحصل ما توقع أنهم خضعوا لإغوائه ولا قوة لديه على إجبارهم، بل هم قوم معظمون لشهواتهم، فانسجمت إرادتهم مع إرادة إبليس فكان العذاب.
وأما عامة قراء المدينة والشام والبصرة فقد قرؤوها بالتخفيف: "ولقد صَدَقَ" أي صدق عليهم ظنه. قال مجاهد: (ظن ظنًا فاتبعوا ظنه). وقال قتادة: (آلله، ما كان إلا ظنًا ظنّه، والله لا يصدق كاذبًا ولا يكذب صادقًا).
وقال الحسن: (لما أهبط آدم عليه السلام من الجَنَّة ومعه حوّاء وهبط إبليس قال إبليس: أَمَّا إذا أصبتُ من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف، فكان ذلك ظنًا من إبليس، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾).
وقال ابن عباس: (إن إبليس قال: خُلقت من نار وخُلق آدم من طين، والنار تحرق كل شيء، ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ فصدق ظنه عليهم).
وقال ابن زيد: (أرأيت هؤلاء الذين كرمتهم عليّ وفضلتهم وشرَّفتهم لا تجد أكثرهم شاكرين، وكان ذلك ظنًا منه بغير علم، فقال الله: ﴿فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾).
وخلاصة المعنى: أنَّ إبليس ظن أنه إن أغواهم أجابوه، وإن أضلهم أطاعوه فصدق ظنه بهم، فقليل من عباد الله الشاكرون.
وقوله: ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾. قال الحسن: (والله ما ضربهم بعصا ولا سيف ولا سَوْط، إلا أماني وغرورًا دعاهم إليها).
وقوله: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ﴾. قال قتادة: (وإنما كان بلاء ليعلم الله الكافر من المؤمن).
وإلّا بمعنى لكن، فالاستثناء منقطع، والتقدير: وما جعلنا له سلطانًا عليهم ولكن سلَّطناه عليهم بوسوسته لنعلم من يؤمن بالآخرة صدقًا ويقينًا.
وقيل بل الاستثناء متصل، بمعنى: ومافَإن له سلطان عليهم غيرَ أنا سلطناه عليهم ليتم الابتلاء. وربك يا محمد على أعمال هؤلاء الكفرة وعلى كل شيء حفيظ، فهو عالم بكل شيء ويحْفَظ كل شيء على العبد حتى يجازيه عليه، كما في الحديث القدسي: [يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا